أنقرة – لم يعد الحديث عن وجود أزمة بين تركيا والقيادة الجديدة في السودان مجرد تخمينات سياسية، فقد بات شبه مؤكد أن أنقرة ستفقد حظوظها في الاحتفاظ باتفاقيات ذات قيمة أبرمتها مع حكومة الرئيس السابق عمر حسن البشير، وخاصة ما تعلق باتفاقيات تهم قطاعات الزراعة والنفط والسكك الحديدية، وذلك بعد خسارة المشروع العملاق في جزيرة سواكن على البحر الأحمر.
وفيما تتعمد أنقرة عدم إظهار أي موقف تجاه القيادة الجديدة في السودان، فإن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان حسم أمره تجاه ما يجري في ليبيا متعهدا بتوظيف كل الإمكانيات لمنع تحويلها إلى ما أسماه “سوريا جديدة”.
وقال أردوغان إن ليبيا باتت تشكل مسرحا لـ”سيناريوهات مظلمة تستهدف أمن المنطقة”.
وأضاف “من جهة هناك حكومة تتلقى شرعيتها من الشعب، ومن جهة أخرى يوجد دكتاتور مدعوم من أوروبا وبعض الدول العربية”.
وأكد أن بلاده ستقف بقوة إلى جانب أشقائها الليبيين كما فعلت في السابق، و”ستستنفر كل إمكاناتها لإفشال مساعي تحويل ليبيا إلى سوريا جديدة”.
ويعكس هذا التصعيد اعترافا بأن الأوضاع في ليبيا تسير عكس حسابات أنقرة، خاصة أنها تجد نفسها بمواجهة دعم إقليمي ودولي لعملية استعادة طرابلس بقيادة المشير خليفة حفتر من أيدي ميليشيات إسلامية موالية لتركيا وقطر.
وبالتوازي، أشار أردوغان إلى أن السودان تعرض لتدخلات خارجية في جميع شؤونه خلال الفترة الماضية.
وأضاف “لقد قسموا البلاد أولا، والآن يحاولون ابتلاعها”، معربا عن أمله في أن تنتهي الأحداث التي يشهدها السودان بما يتوافق مع مطالب وتطلعات شعبها.
ورغم هدوء اللهجة تجاه السودان، والقول إن اتفاقية سواكن لا تزال سارية المفعول، فإن تركيا لا شك أنها تترقب في أي لحظة إعلان قرار السودان وقف العمل بالاتفاقيات القديمة معها.
وكشفت مصادر تركية أن رجال أعمال نافذين من محيط الرئيس التركي أبلغوا مقربين منهم بأنهم باتوا ينتظرون أنباء سيئة قادمة من الخرطوم، وأنها تخص إلغاء الاتفاق المبرم مع السودان بشأن الاستثمار في المجال الزراعي.
وفيما يكتفي الرئيس التركي بتصريحات عامة عن العلاقة مع السودان، فإن مؤشرات كثيرة تقول إن المجلس الانتقالي الجديد في السودان يتجه إلى تنفيذ رغبة الحراك الشعبي بشأن إلغاء الامتيازات الاقتصادية والعسكرية مع أنقرة التي لم تنجح إلى الآن في تجاوز حالة الصدمة ولم ترسل وفدا لاستكشاف مواقف القيادة الجديدة في السودان.
السودانيون يريدون إنهاء النفوذ التركي الذي كان سائدا في فترة حكم البشير
السودانيون يريدون إنهاء النفوذ التركي الذي كان سائدا في فترة حكم البشير
وأعلنت وزارة الزراعة والغابات التركية في سبتمبر من العام الماضي أن أنقرة والخرطوم وقعتا اتفاقا بقيمة 100 مليون دولار للتنقيب عن النفط واتفاقا لتخصيص الآلاف من الأميال المربعة من الأراضي الزراعية السودانية لتستثمر فيها الشركات التركية.
وقالت الوزارة التركية إن السودان خصص 780 ألفا و500 هكتار (ثلاثة آلاف ميل مربع) من الأراضي لتستثمر فيها شركات تركية خاصة، مضيفة أن ذلك سيوفر “الأمن الغذائي لتركيا والسودان ودول أخرى”.
وذكر وزير الزراعة والغابات بكير باكديميرلي في بيان أن شركة البترول التركية ووزارة النفط والغاز في السودان وقعتا اتفاقا لتطوير حقل نفط وهو ما يقود مبدئيا إلى استثمار مئة مليون دولار.
كما وقع رجال أعمال أتراك وسودانيون تسع اتفاقيات لإقامة مشاريع زراعية وصناعية تشمل إنشاء مسالخ لتصدير اللحوم ومصانع للحديد والصلب ومستحضرات التجميل، إضافة إلى بناء مطار في العاصمة السودانية.
وأعلن مدير عام شركة تركية رائدة في مجال أنظمة السكك الحديدية أن الشركة ستجري دراسة الجدوى، وتقدم الاستشارات الإنشائية والتحضيرية، لمشروع خط السكة الحديدية (سلوم – سواكن شيخ إبراهيم) شرقي السودان.