صحيفة كورة سودانية الإلكترونية

الترابي.. غندور والكودة أبرزهم الإسلاميون والتطبيع.. بين السر والجهر

93

بين الاجتماعات التي نشط في عقدها خواتيم عقد التسعينيات من القرن الماضي د.عبدالله الترابي لبحث إمكانية التقارب مع إسرائيل، والزيارة التي سجلها أحد معاوني المشير البشير إلى «تل أبيب» قبل أن تقتلعه الثورة الشعبية بأشهر، فإن الكثير من الحقائق والشواهد تؤكد أن تنظيم الإخوان المسلمين بالسودان سعى وفي إطار رفع العزلة الدولية التي كان يتعرض لها إلى تجسير الهُوة بينه وأمريكا عبر الجسر الإسرائيلي، وهو الأمر الذي يتناقض مع بيان الحركة الإسلامية الأخير الذي جاء غداة لقاء رئيس مجلس السيادة برئيس مجلس الوزراء الإسرائيلي، فقد أكدت خلاله الحركة المحظورة رفضها التطبيع.

وقالت الحركة الإسلامية إن «التطبيع مع الكيان الصهيوني المغتصب لأرض فلسطين والموالاة لليهود موقف لا يشبه قيادة أهل السودان وعزتهم وكرامتهم»، وأضافت أنها منذ تأسيسها كانت وما زالت مؤمنة بصدق وعدالة القضية الفلسطينية، وفي سبيل ذلك شاركت بفاعلية في الدفاع عن حقوق الشعب الفلسطيني في العيش في ظل دولته، وقطعت برفضها لقاء البرهان ونتنياهو أو حدوث تقارب بين دولتيهما.
غير أن ذات الحركة الإسلامية عندما كانت على سدة الحكم فإن عرّابها وأحد أبرز مفكريها الراحل د.حسن عبدالله الترابي، وقبل المفاصلة الشهيرة التي ضربت جدار الإسلاميين بثلاثة أعوام، فإنه نشط في عقد اجتماعات مطولة -بحسب مصدر كان قريباً من دوائر صنع القرار- مع أبرز الدبلوماسيين الإنقاذيين، وبحث معهم إمكانية تجسير الهُوة مع الغرب عبر الدخول في علاقة غير مباشرة مع إسرائيل، ويشير المصدر إلى أن تلك الخطوة ورغم أنها وجدت تأييداً نسبياً إلا أن التيار المتشدد في التنظيم كان له رأي مخالف وعمل على وأدها في مهدها قبل أن تتحول من خانة السر إلى الجهر.
ورغم ذهاب الترابي مغاضباً بعد المفاصلة فإن الدعوة السرية للتقارب مع إسرائيل وسط الإسلاميين تحولت بعد العام 2008 من مرحلة السر إلى العلن، وذلك حينما كشفت تسريبات وثائق «ويكيليكس» أن وزير الخارجية الأسبق ومستشار الرئيس عمر حسن البشير وقتها مصطفى عثمان إسماعيل في عهد النظام المباد قال إن حكومة بلاده تقترح على الولايات المتحدة أوجهاً للتعاون تتضمن تطبيع العلاقات مع إسرائيل.
ونقل الموقع وقتها أن إسماعيل ذكر في لقائه مع مسؤول الشؤون الأفريقية في الخارجية الأمريكية، ألبرتو فرنانديز، أثناء شغله لمنصب القائم بالأعمال الأمريكي في الخرطوم، أنه «إذا مضت الأمور بصورة جيدة مع الولايات المتحدة، فقد تساعدوننا في تسهيل الأمور مع إسرائيل، الحليف الأقرب لكم في المنطقة.
ورغم المحاولات المستميتة لإبقاء مصطفى الأمر طي الكتمان إلا أنه خرج للرأي العام ولم يجد غير نفيه، غير أن الدعوة السرية للتطبيع مع إسرائيل أخذت عقب ذلك شكلاً منفصلاً وباتت تُطرح على العلن تحت قبة البرلمان الذي كان يسيطر عليه المؤتمر الوطني الجناح السياسي للحركة الإسلامية، فالنائب عن إحدى دوائر وادي هور بشمال دارفور الراحل الشريف محمدين كان من أوائل قادة الإسلاميين الذين طالبوا جهراً بالتطبيع مع إسرائيل وعلى طريقه مضى أكثر من قيادي بارز بالحزب الحاكم في العهد المباد، ومنهم كرم الله عباس الشيخ، والي ولاية القضارف الأسبق، الذي لم يكتف بالمطالبة بالتطبيع مع إسرائيل بل مضى بعيداً وهو يكشف وقتها في مفاجأة من العيار الثقيل أنه ينتمي لمدرسة داخل المؤتمر الوطني تطالب بالتطبيع مع إسرائيل، ورغم أن الشيخ لم يكشف عدد زملائه من رواد هذه المدرسة، إلا أن البديهي أنه عدد لا يستهان به، ويبدو أن من روادها رئيس لجنة الاستثمار والصناعة بالبرلمان في ذلك الوقت، ووالي ولاية النيل الأبيض، عبد الحميد موسى كاشا، الذي طالب بالتطبيع مع إسرائيل بقوله: «ما دمنا قد قبلنا بأمريكا فلنقبل بإسرائيل»، وكاشا الذي اتجه إلى تأسيس حزب التنمية القومي عقب سقوط نظام الإنقاذ ظل متمسكاً برأيه حول ضرورة التطبيع مع إسرائيل.
وفي أواخر عهد الإنقاذ فإن الإخوان المسلمين الذين كانوا يرفضون في عشريتهم الأولى الحديث عن التقارب مع إسرائيل ولو سراً، فإن تعاطيهم مع هذه القضية اختلف كلياً وهذا يتضح جلياً حينما أعلن وزير الخارجية الأسبق أ.د. إبراهيم غندور، عدم ممانعة الحكومة دراسة تطبيع العلاقات مع إسرائيل، ورداً على مداخلة القيادي بجمهورية جنوب السودان عبد الله دينق نيال في لقاء تفاكري في العام 2018 سأله عن إمكانية التقارب مع إسرائيل، رد عليه وزير الخارجية وقتها: (هذا أمر يمكن دراسته)، وذكر أن السودان لا يرهن علاقاته مع دولة على حساب دولة أخرى.
ليس غندور وحده الذي أعلن عن إمكانية إقامة علاقة مع إسرائيل، فعدد من قادة التيار الإسلامي ذهبوا في هذا الاتجاه ومنهم رئيس حزب الوسط الإسلامي، د. يوسف الكودة، الذي كان من أبرز المطالبين بالتطبيع، فقد دعا أكثر من مرة إلى وقف مقاطعة السودان لإسرائيل وإقامة علاقات دبلوماسيّة واقتصادية معها وقال: “نحن نؤيد العلاقات مع إسرائيل، السياسة لغة مصالح ليس هناك عدو دائم ولا صديق دائم بعيداً عن الحساسية الدينية، وأضاف: “العرب، مصر والأردن والخليج، والفلسطينيون أنفسهم لديهم علاقات جيدة مع إسرائيل”، مؤكداً على أن إسرائيل ليست دولة صغيرة حتى تتم مقاطعتها بل هي حليف لأمريكا والغرب، وقال:» لذلك تضررنا كثيراً من معاداتها ودفعنا ثمن ذلك دون أن نجني شيئا”، مستشهداً بصلح الحديبية كسابقة تاريخية لإقامة علاقات مع الاحتلال.
وفي أواخر عهد الإنقاذ فإن إحدى الدول العربية نشطت في إحداث تقارب بين نظام الإسلاميين وإسرائيل غير أن عقبة رفضهم لقائهم الرئيس المخلوع واختيارهم الجلوس إلى بكري حسن صالح أوقفت التفاوض السري في مكانه، غير أن هذا لم يمنع مقرباً من البشير السفر إلى تل أبيب قبل توجه المخلوع إلى دمشق للالتقاء ببشار الأسد، كما شهدت ألمانيا لقاءً مباشراً بين قادة في الأجهزة الأمنية السودانية والإسرائيلية وكانت الإنقاذ على مقربة من التطبيع بعد أن طرقت أبوابه بقوة غير أن الثورة التي اندلعت في ديسمبر وضعت حداً له.
لذا فإن ما جاء في بيان الحركة الإسلامية المحلولة الذي أصدرته عقب لقاء البرهان ونتنياهو، يوضح مدى تناقضها فحينما كانت على سدة الحكم سعت إلى التطبيع وعندما تحقق وهي في صفوف المعارضة أعلنت عن رفضها له رغم أنها هي التي مهدت له.

 صحيفة الانتباهة

قد يعجبك أيضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبولقراءة المزيد