Ayin network
صورة ضبابية تكتنف مستقبل تفكيك نظام الحركة الإسلامية في السودان، فيما تنامت المخاوف بشكل لافت لدى القوى الديمقراطية بعدما تجاوز الإتفاق الإطاري المبرم مؤخراً بين قوى مدنية وعسكريين حسم الملف وتأجيله ضمن خمس قضايا أخرى – إلى مشاورات ستجرى في وقت لاحق.
وفتح تأجيل الإتفاق حول تفكيك النظام السابق، الباب واسعاً أمام كثير من التساؤلات بشأن دواعي الإرجاء والسيناريوهات المحتملة وما إن كان العسكريين سيقبلون بعمل إزالة التمكين على النحو السابق، كما يخشى البعض من أن يواجه الملف مصير لجنة التحقيق في جريمة فض الإعتصام التي لم تتوصل إلى أي نتائج حتى اللحظة.
ولم يستبعد مقرر دائرة المنظمات بلجنة التفكيك السابقة الرشيد حسب الرسول، أن تقع الحرية والتغيير في مصيدة المكون العسكري مجدداً بعدما رضخت لرغبته ورؤيته الرافضة لمبدأ تفكيك النظام المعزول منذ الوهلة الأولى، وأجلت النظر في الملف للمفاوضات القادمة. لكنه يشير إلى أن تأجيل قضية إزالة التمكين لم يكن بسبب رفض العسكريين فحسب، بل هناك تباين وتضارب مصالح داخل تحالف قوى الحرية والتغيير نفسه حول العملية، فبعضهم لديه رأي مختلف بشأن عملية التفكيك.
ويقول حسب الرسوم في مقابلة ، إن عملية التفكيك بالسيناريو الذي يسير الآن ماضية نحو المجهول، فإذا قُدر قيام هيئة لإزالة التمكين فسوف تكون صورية مثل لجنة التحقيق في مجزرة فض الإعتصام التي يترأسها القانوني نبيل أديب والتي لم تستطيع تحقيق غرضها الذي أنشئت من أجله طيلة السنوات الماضية.
وجرى تكوين لجنة تفكيك نظام الثلاثين من يونيو 1989م وإزالة التمكين واسترداد الأموال العامة في ديسمبر عام 2019م أي بعد شهرين من تشكيل الحكومة الإنتقالية إستجابة لأهم مطالب الثورة، ونجحت في مصادرة أموال وأصول ضخمة من عناصر وواجهات نظام المخلوع عمر البشير لصالح الخزينة العامة، كما أبعدت آلاف الموظفين الذين تم تعيينهم على أساس الولاء السياسي للحركة الإسلامية أو ما يعرف بالتمكين في أدبيات تنظيم الإخوان المسلمين.
لكن المكون العسكري في مجلس السيادة أظهر إنزعاجاً من عمل لجنة التفكيك وتحركاتها منذ وقت مبكر، وانسحب رئيس اللجنة الفريق ياسر العطا في مؤشر احتجاجي وصار المدنيون وحدهم يديرون عملية التفكيك وإصدار القرارات الخاصة بمصادرة وحجز الأصول مع تنامي حدة الخلاف بين شركاء الحكم الإنتقالي وقتها.
وأجمع محللون وسياسيون في السودان، على أن لجنة تفكيك نظام الحركة الإسلامية كان واحداً من أهم مسببات الانقلاب الذي نفذه الفريق عبدالفتاح البرهان وشركاه العسكريين في يوم 25 أكتوبر الماضي، إذ قام بإلغاء نحو 90% من قرارات لجنة إزالة التمكين وأعاد الأموال إلى أصحابها، ومن الصعب أن يسمح العسكر بعودة نشاط اللجنة بنفس منهجها السابق.
مبرر التحالف
وبرر رئيس لجنة إزالة التمكين بالإنابة سابقاً وعضو التفاوض بالحرية والتغيير – المجلس المركزي، محمد الفكي سليمان تأجيل قضية التفكيك، برغبة تحالفه في إخضاع الملف لمزيد من التشاور مع السودانيين والسماع لكل وجهات النظر حول هذا العمل، نافياً وجود إملاءات أو مساومات قادت لهذا الإرجاء. والأسبوع الماضي، أعلن التحالف وضع تصورات لثلاث من قضايا الاتفاق النهائي التي ستبدأ بورشة عمل لجنة التفكيك.
وقال الفكي في مقابلة ، “تركنا قضية تفكيك التمكين لتكون ضمن القضايا الخمس المؤجلة بسبب نظرتنا للملف الذي يحتاج إلى نقاش أوسع مع المجتمع السوداني، فالجنة رغم أدائها الكبير جداً إلا وأنه دائما هنالك أراء بأن العمل يمكن أن يكون أفضل فهذه فرصة لأن نستمع إلى أراء أكبر عدد من الناس”.
ويؤكد المسؤول الحزبي، أن تأجيل ملف تفكيك التمكين إلى المرحلة المقبلة من رأي الحرية والتغيير وليس أي طرف آخر، وسوف تطرح القضية في مؤتمر ينعقد قريباً بمشاركة قانونيين وأكاديميين وعموم أبناء السودان لسماع رؤيتهم حول كيفية عمل اللجنة وقانونها وأدائها وهيكلها.
“نريد أن نستمع إلى وجهات نظر شاملة حتى في ما يختص بمن الذي يقود العمل في لجنة تفكيك التمكين، هل يكونوا سياسيين مثل التجربة السابقة أم قانونيين وسياسيين، فنحن مستعدون للتعاطي مع أي تصور يطرحه المؤتمر الذي هو في طور الإعداد حالياً”،
تضارب مصالح
تلك المبررات لم تكن مقنعة إلى عضو دائرة المنظمات بلجنة إزالة التمكين السابقة، الرشيد حسب الرسول الذي يرى أن ملف التفكيك يجب أن يكون محل توافق ولا ينبغي على قوى الثورة أن تكون متباينة حول تفكيك جهات نمت وسط مستنقع فساد نظام الثلاثين من يونيو، ولا تخضع لمجرد نقاش للتوافق فهي من أهم أهداف ثورة ديسمبر.
وقال حسب الرسول، وهو عضو في حزب البعث العربي الإشتراكي – الأصل ، “في واقع الأمر هناك تضارب مصالح كبير داخل قوى الحرية والتغيير، فبعضهم لديه رأي مغاير حول عملية تفكيك النظام السابق، فإلى جانب موقف العسكريين المعارض لإزالة التمكين تم تأجيل الملف إلى النقاش اللاحق”.
ولم يبد الرشيد، أدنى تفاؤل بعودة لجنة تفكيك نظام الحركة الإسلامية بنفس منهجها وطريقتها السابقة، فالعملية بهذه الصورة ماضية نحو المجهول لأن كل الأموال والأصول التي وضعت عليها لجنة التفكيك يدها، عادت إلى أصحابها فمسألة البحث عنها وتقصيها ومتابعتها من جديد ليس بالأمر الهين خاصة في ظل فترة انتقالية قصيرة حددها الاتفاق الإطاري بعامين.
ويعتقد أن مسير تفكيك التمكين الحقيقية توقفت مع إنقلاب البرهان، قد تعود بشكل صوري تمارس عملها عبر بلاغات تفتح لدى النيابة ومسار قضائي لايقود إلى الغرض الأساسي لتفكيك بنية نظام الثلاثين من يونيو”. وضيف الرشيد ل”عاين” “هذا الأمر واضح من الإتفاق الإطاري الذي أخرج ضمنياً الأجهزة العدلية والقضائية من دائرة التفكيك إذ نص على تشكيل مجلس عدلي مهمته تعيين رئيس القضاء ونوابه ويتولى عملية الإصلاح، فلا أحد يفكك أو يصلح نفسه فستكون العملية مشوهة في أهم أجهزة الدولة التي تحتاج إلى إصلاح وإزالة تمكين”.
صراع التركة
هنا يشير، عضو دائرة المنظمات بلجنة إزالة التمكين الرشيد حسب الرسول، إلى أنه “منذ الوهلة الأولى ومن خلال النقاشات اتضح أن المكون العسكري في مجلس السيادة يقف ضد عملية التفكيك، ومنذ ذلك الحين نشب صراع وسباق بين اللجنة والعسكريين حول من يرث أموال النظام المخلوع”.
وقال الرشيد إن المكون العسكري إستطاع خلال سيطرته مقاليد السلطة من 11 أبريل 2019 وحتى سبتمبر من نفس العام، تحويل كثير من أموال النظام السابق لصالح صندوق دعم العاملين بالقوات المسلحة، مما زاد حدة الخلاف” .
وشدد أنه بسبب هذا الصراع ظلت العديد من الشركات والأصول التي حولها المكون العسكري لصندوق دعم الجيش وغيرها من الأموال، محجوزة بقرارات من لجنة تفكيك التمكين ولم يتسن البت فيها حتى جاء الإنقلاب وأعادها إلى أصحابها من عناصر النظام السابق.
رهان على الشارع
ويقول مقرر لجنة تفكيك نظام الثلاثين من يونيو وإزالة التمكين المجمدة، وجدي صالح، إن عملية التفكيك ضرورية لأي تحول ديمقراطي في البلاد ولن يتم بدونها، فالقوى التي ستسقط الانقلاب هي من ستحدد شكل التفكيك وطريقته. كما شدد صالح في مقابلة مع على أهمية إلغاء قرارات قائد الجيش عبدالفتاح البرهان الإرتدادية التي أعاد بموجبها أمول وأصول ضخمة صادرتها اللجنة، إلى أصحابها وحوت تمكين جديد المؤتمر الوطني.
وبحسب تقارير موثقة، فإن المكون العسكري رفض بشدة نص في مشروع الدستور الذي أعدته اللجنة التسيرية لنقابة المحامين بند يقضي بإلغاء جميع قرارات الفريق عبدالفتاح البرهان التي اتخذها عقب الإنقلاب بما في ذلك إعادة الأموال المصادرة إلى فلول النظام السابق، ويتمسك العسكريين بإخضاع هذه القرارات للمراجعة فقط.
وعلى الرغم من ضبابية الرؤية بشأن عملية التفكيك مستقبلاً، لكن مقرر لجنة إزالة التمكين والقيادي في حزب البعث – الأصل “وجدي صالح” أظهر تفاؤلاً كبيراً تجاه إسقاط الإنقلاب العسكري وعودة اللجنة بأفضل مما كانت عليه في السابق وهو يراهن في ذلك على قوة الشارع السوداني، قائلاً “لا تستطيع قوة الوقوف أمام إرادة السودانيين”.
ويضيف صالح: “يجب أن تلغ كافة القرارات التي أصدرها البرهان عقب الإنقلاب لأنها تضمن تمكين جديد للفلول، ومن غير التفكيك لن يحدث أي تحول ديمقراطي في البلاد، ونحن مع مراجعة عمل اللجنة فهي جهد بشري وقد أخذت الورشة التقيمية التي عقدتها الحرية والتغيير مؤخراً هذا الأمر في الإعتبار”.
وعارض حزب البعث – الأصل الذي ينتمي له وجدي صالح، الإتفاق الإطاري المبرم مؤخراً بين قوى مدنية وعسكريين وخرج من تحالف الحرية والتغيير الذي انخرط في التسوية السياسية، مبرراً أن الإتفاق لا يحقق أهداف ثورة ديسمبر التي أنهت حكم المخلوع عمر البشير.
سيناريو سيئ
ويرى المحلل السياسي أحمد حمدان، أن تأجيل ملف التفكيك يعني ضمنياً رضوخ الحرية والتغيير لرغبة المكون العسكري الذي يعارض عملية تفكيك النظام السابق، وربما يكون قد جاهر بموقفه داخل غرف التفاوض المغلقة مما قاد لتأجيل مناقشة القضية للمرحلة القادمة.
وتوقع حمدان، سيناريوهات سيئة إزاء الملف، يتلخص في إغراق الإتفاق الإطاري بأطراف غير مؤمنة بالثورة وأهدافها وموالية للعسكريين في هذه المرحلة وعندما يتم طرح قضية تفكيك التمكين في المشاورات اللاحقة سيسقط بالأغلبية وسيكون صوت الحرية والتغيير ضعيفاً ومعزولاً.
“من المتوقع أن يتم تشكيل آلية توافقية لإزالة التمكين، لكنها ستكون مجرد ذر للرماد في العيون هدفها إرضائي ولن يحقق عملية تفكيك النظام السابق على النحو المتعارف عليه في أدبيات الثورة السودانية”، يقول حمدان لـ(عاين).
ويشير إلى عدم وجود مبرر لتأجيل النظر في قضية التفكيك فهذا الملف يجب أن يكون محل توافق الجميع لأن الطرف المتضرر فيه واحد وهو النظام السابق المقصي، فحتى العسكريين يقولون في خطاباتهم “عدا المؤتمر الوطني”. يضيف “إزالة التمكين ليست مثل القضايا الأخرى كالعدالة التي تحتاج إلى نقاش طويل مع الضحايا، وتأجيله بغرض التشاور غير منطقي ويدحض مبررات الحرية والتغيير بهذا الخصوص”.
عودة مستنقع الفساد
الخبير الإقتصادي، الدكتور محمد الجاك يقول: “أي محاولة للالتفاف على ملف التفكيك خلال المرحلة القادمة سيكون نتيجته عودة الدولة لمستنقع الفساد مجدداً مما يقود إلى استمرار التراجع والتدهور في الوضع العام وعدم حدوث التعافي الاقتصادي المنشود”.
ويضيف الجاك في مقابلة : “تفكيك النظام السابق عملية ضرورية لبتر أجنحته، ويكون ذلك بمصادرة الأموال والأصول وتوريدها للخزينة العامة، فهناك تقارير تتحدث عن أن الأموال المختلسة من قطاع البترول وحده خلال حكم الرئيس المخلوع عمر البشير تفوق 160 مليار دولار، فهذه المبالغ كفيلة بتحقيق طفرة إقتصادية”.
وتابع الجاك، “إذا لم تعود لجنة تفكيك وإزالة التمكين بنفس الهيئة والصيغة التي أقرتها الوثيقة الدستورية، لن يتحقق الغرض وسوف يستمر الفساد وتزدهر واجهات النظام السابق الشيء الذي ينعكس بدوره سلبا على الاقتصاد، وهي أمور تجافي الأهداف التي اندلعت من أجلها ثورة ديسمبر”.
Ayin network