صحيفة كورة سودانية الإلكترونية

يا مطر عز الحريق

31

حاطب ليل

د. عبد اللطيف البوني

يا مطر عز الحريق

)1(
قبل حوالي عام، كتبنا في هذا المكان، مشيرين إلى ما كان يكتبه في ذلك الوقت أستاذنا الدكتور الواثق كمير، وصديقنا الأستاذ عادل إبراهيم حمد، من ضرورة إعادة النظر في الكفاح المسلح، أي مواجهة الدولة بالعنف، فكل من الواثق وعادل كان وربما ما زال ناشطاً سياسياً, وصاحب تجربة ثرة في العمل المُعارض ومهموم بقضايا البلاد ومستقبلها. هذا بالإضافة لسعة الاطلاع وتقديم الإسهام من المنفى الاختياري؛ فالناظر للغابة من خارجها يكون مدى رؤيته أوسع من المقيم داخلها، حيث كانت رؤيتهما أن العنف في السودان لم يعد ذا جدوى، وعلى المعارضين الذين يحملون السلاح أن يرموه ويتجهوا للنضال المدني، وأن العنف بالإضافة لعجزه عن التغيير المنشود نتائجه دوما عكسية، إذ تعود بالساحق والماحق على الجهات التي رفع السلاح من أجلها، وكل هذا مستخلص من التجربة السودانية.
)1(
الآن جاءت مظاهرات ديسمبر/ يناير/ فبراير، لتثبت ما ذهب إليه الأستاذان واثق وعادل، فهذه المظاهرات بدأت عنيفة في عطبرة والقضارف، وقابلت الدولة ذلك العنف بعنف مضاد، فكانت الخسائر جسيمة، وكانت كل الدلائل تشير إلى أن التظاهر لو استمر يومين على ذات المنوال العنيف، فسوف تلحق هذه الهبة بهبة سبتمبر 2013؛ ولكن تم تلافي الموضوع، فلما بدأت المظاهرات تنساب إلى مدن السودان الأخرى، كان طابع السلمية مسيطراً عليها، ومع ذلك كان هناك إفراط في استخدام القوة من جانب الجهات الأمنية، فوصل عدد الشهداء إلى العشرات، ومع ذلك احتفظت المظاهرات بسلميتها. هذه السلمية أجبرت الحكومة على تغيير ردة فعلها، فجنحت هي الأخرى إلى عدم الإفراط في استخدام القوة، ففي الأسبوع المنصرم اختفى إطلاق الرصاص الحي، واعتمدت المكافحة على البمبان، فلم يكن هناك شهداء، فإذا ما استمرت المظاهرات والوقفات الاحتجاجية على تلك السلمية، واستمر رد فعل الحكومة على استخدام القوة المعقولة دون إفراط )بمبان بدون ذخيرة حية(، ستكون الأمور أقرب إلى النضج وسوف تتطور الأمور بصورة أسرع، وستكون النتائج في غاية الإيجابية بالنسبة لعموم الوطن؛ فالتغيير السلمي سوف يُفضي إلى بديل سلمي يتحكم في العقل، وليس العاطفة. بعبارة أخرى إذا )سقطت بس(، ستكون الفترة الانتقالية أقل إقصاءً وأعمق رؤيةً وأكثر وعداً، طالما أن الذهاب كان سلمياً. أما إذا )قعدت بس(، فسيكون القعاد أكثر ميلاً للتسوية، وأقل انتقاماً. وبالمقابل إذا )سقطت بس( بالعنف أو )قعدت بس( بالعنف، ستكون النتائج وخيمة. بعبارة ثالثة سلمية هذه المرحلة سوف تُفضي إلى سلمية المرحلة القادمة. أما إذا حدث جنوح نحو العنف في هذه المرحلة من الصراع، فإن البلاد موعودة بفظائع في المرحلة التالية.
)3(
لكل الذي تقدم، دعونا نبتهل إلى الله أن تنتهي الأمور في السودان بسلام وسلمية، وأن تكون المرحلة القادمة كيفما كانت مرحلة سلام، فإذا حدث هذا ستكون بلادنا قد طوت صفحة من العنف لازمتها منذ أغسطس 1955، واستمرت إلى ديسمبر الأخير. ولعل في هذا فرصة للإمساك بهذا المكتسب السياسي الجديد وتثبيته في دستور البلاد، ليخرج العنف إلى الأبد من ثقافتنا ومن ممارساتنا لتنطلق بلادنا بكل قواها نحو السلام والتنمية والعدالة والحرية، كما حدث لرواندا والكثير من الدول التي ركلت العنف وطارت بأجنحة من سلام.

قد يعجبك أيضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبولقراءة المزيد