صحيفة كورة سودانية الإلكترونية

بل أسوأ من “رابعة”

7

للعطر افتضاح
د. مزمل أبو القاسم
بل أسوأ من “رابعة”

* تمنينا أن يمر العيد بلا دماء، وأن تتوقف حفلات القتل المجانية التي فاضت بسببها الدموع، وتمددت الأحزان لتغزو كل بيتٍ وشارع، وتغمر كامل ربوع الوطن المكلوم.
* كتبنا في هذه المساحة محذرين من الإقدام على حماقة فض الاعتصام بالقوة، وأكدنا أن مجريات الأمور تنبئ بتكرار سيناريو مذبحة ميدان رابعة في قلب الخرطوم، ففجعنا بحدثٍ أشد قسوةً، وأوفر دمويةً، وأكثر استهانة بحياة الأبرياء.
* هو بالقطع أسوأ، لأن من اعتصموا في (رابعة) حصلوا على إنذاراتٍ مسبقة، طالبتهم بالخروج من الميدان، وحذرتهم من عواقب الاستمرار في الاعتصام، ووفرت ممرات آمنة للراغبين في الخروج، أما معتصمو القيادة فلم يتم إنذارهم بالسيناريو الدموي، ولم يحذرهم أحد من المصير الأسود الذي ينتظرهم، ولم يطلب منهم أحد أن يخرجوا كي لا يتعرضوا للقتل في خواتيم شهر الصيام.
* أغاروا عليهم فجراً وهم نيام، وكان كل ذنب الضحايا أنهم صدقوا التصريح الصادر من رئيس أركان الجيش (لن نطلق رصاصة واحدة على الشعب)، واطمأنوا إلى تعهدات قادة المجلس العسكري، وتأكيداتهم المتتالية بأنهم لن يمسوا الاعتصام.
* إن محاولة تبرير المذبحة بالحديث عن حدوث (خطأ في التنفيذ) تمثل استخفافاً قميئاً بعقول الناس، كما أن الحديث عن توقيف عدد من الضباط بحجة أنهم خالفوا التعليمات، واعتدوا على المعتصمين لن يعفي المجلس العسكري من المسؤولية، بقدر ما يدل على عجزه عن السيطرة على قواته، وفشله في إلزامها باتباع التعليمات، سيما وأننا طالبناه مراراً وتكراراً في هذه المساحة بحل التنظيمات الإنقاذية المسلحة وجمع سلاحها وتوقيف قادتها، فلم يفعل.
* ذلك إذا ألغينا عقولنا، وصدقنا أن الغارة الدموية الفجرية استهدفت (تنظيف منطقة كولمبيا)، ولم يُقصد بها الاعتداء على العُزَّل الذين تعرضوا للرمي بالرصاص، والضرب بالعصي والسياط، وتمت ملاحقتهم في الشوارع بمنتهى الهمجية، حتى بعد أن خرجوا من ميدانهم مرغمين.
* ستبقى الكارثة التي شهدتها الخرطوم يوم 29 رمضان في ذاكرة هذا الشعب طويلاً، لتنبئه بأن حياة الإنسان باتت بلا قيمة في سودان المجلس العسكري، الذي يريد منا أن نصدق ما يزعمه عن أن العملية لم تستهدف فض الاعتصام بالقوة.
* المقدمات تبرر النتائج، وكل المقدمات التي سبقت ليلة الكارثة كانت تشير إلى وجود نية مبيتة لتشتيت شمل المعتصمين، بدءاً بالحديث عن انتفاء سلمية الثورة، وتحول الميدان إلى وكر للجريمة المنظمة، واستفزاز المعتصمين للقوات النظامية.
* عندما كتبنا في هذه المساحة محذرين من تنفيذ سيناريو الفض الدموي استندنا إلى معلوماتٍ مؤكدةٍ، تشير إلى أن الخطة وُضعت، وأن القوات جُهِّزت، وتم تدريبها في معسكرٍ بعينه، بعد تزويدها بالهراوات والسياط، وإلباسها أزياء الشرطة.
* لو نفذوا السيناريو الأصلي لكان الأمر أهون كلفةً، وأقل دمويةً، ولتقلصت خسائر الأرواح إلى الحد الأدنى، لأنه كان خالياً من السلاح، ومجرداً من الرصاص.
* ليس لدينا شك في أن تلك الجريمة المروعة ستقيد ضد مجهول، لتلحق بسابقتها التي حدثت يوم 8 رمضان، لكن الحقيقة ستبقى لتؤكد أن عدد من قتلوا غيلةً وغدراً خلال يومين فقط في العهد الحالي فاق عدد من قتلتهم الإنقاذ طوال عمر الثورة الممتدة أربعة أشهر، سبقت 11 أبريل.
* لا نعول على نيابةٍ قبلت توجيه المجلس العسكري لها بالتحقيق بلا تعليق، مع أن قانونها ينص على استقلاليتها، ويمنع كائناً من كان من توجيه أي أمرٍ لها، ونذكِّر المستهينين بحياة الناس أن جرائم القتل لا تسقط بالتقادم، وأن عدالة السماء أبقى، حتى إذا فشلت عدالة أهل الأرض في الاقتصاص للشهداء، ورد حقوق من تعرضوا للسحل والضرب والاغتصاب.
* قال رسول الله صلوات الله عليه وسلم: (لن يزال المؤمن في فسحةٍ من دينه ما لم يُصب دماً حراماً)، وقال: (لزوال الدنيا أهون على الله من قتل رجل مسلم)، وقال عز وجل في محكم تنزيله: (ومن يقتل مؤمناً متعمداً فجزاؤه جهنم خالداً فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذاباً عظيماً).. لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

قد يعجبك أيضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبولقراءة المزيد