صحيفة كورة سودانية الإلكترونية

التحيز الضمني

79

التحيز الضمني : وسوعة ستانفورد للفلسفة

تشير الأبحاث حول “التحيز الضمني” إلى أن الناس قد يتصرفون على أساس من التحيز والتنميط عن غير قصد. وفي الوقت الذي يدرس فيه علماء النفس في مجال “الإدراك الاجتماعي الضمني” المنتجات الاستهلاكية واحترام الذات والأطعمة والكحول والقيم السياسية وأشياء أخرى، فإن أكثر الأبحاث إثارة وشهرة ركزت على التحيزات الضمنية تجاه أعضاء الجماعات الموصومة اجتماعيًّا، مثل الأمريكيين من أصول إفريقية، والنساء، ومجتمع الميم [1]. على سبيل المثال، تخيَّل أن فرانك يعتقد صراحة أن النساء والرجال سواسية في الكفاءة بالأعمال خارج المنزل، وبالرغم من اعتقاده الصريح بالمساواة، فإنه قد يتصرف بعدة طرق متحيزة، من قبيل عدم الثقة بملاحظات زميلاته في العمل والميل إلى توظيف الرجال أكثر من النساء عندما يتساوون في المؤهلات! قد يكون التحيز الضمني على أساس الجنس أحدَ أسباب سلوك فرانك التمييزي.

تجدر الإشارة إلى أن الأبحاث النفسية عن التحيّزات الضمنية تزداد باطراد (الفقرة 1)، مع إثارة أسئلة ميتافيزيقية (الفقرة 2)، ومعرفية (الفقرة 3)، وأخلاقية (الفقرة 4) [2].

 

1- مقدمة: تاريخ الإدراك الاجتماعي الضمني ومقاييسه:

11 تاريخ المجال.

12 المقاييس الضمنية.

2- الميتافيزيقا:

2-1 الاتجاهات.

2-2 العمليات الضمنية.

2-3 الاعتقادات:

2-3-1 النموذج القضوي للاتجاهات الضمنية.

2-3-2 الاعتقاد العام.

2-3-3 تثبيت الاعتقاد الاسبينوزي.

2-4 السمات.

2-5 المواقف.

3- الابستمولوجيا:

3-1 معرفة الذات.

3-2 التشكك:

3-2-1 الاعتقاد الإدراكي.

3-2-2 التشكك العالمي.

3-3 المعضلات المعرفية/ الأخلاقية.

4- الأخلاق:

4-1 المسؤولية الأخلاقية:

4-1-1 الحجج المستمدة من الوعي.

4-1-2 الحجج المستمدة من التحكم في التأثير.

4-1-3 الإسناد ونظريات الذات العميقة.

4-2 التدخلات:

4-2-1 التدخلات القائمة على التغيير

4-2-2 التدخلات القائمة على التحكم “الضبط”

5- الردود النقدية:

5-1 المبالغة.

5-2 الضمني مقابل الصريح.

5-3 توقع السلوك.

5-4 البنيوية.

6- الأبحاث المستقبلية.

  • المراجع

  • أدوات أكاديمية

  • مصادر أخرى على الإنترنت

  • مقالات ذات صلة


1- مقدمة: تاريخ الإدراك الاجتماعي الضمني ومقاييسه:

1-1 تاريخ المجال:

على الرغم من أن كتاب ألبورت (1954) “طبيعة التحيز” (The Nature of Prejudice) لا يزال يمثل محكًّا للبحث النفسي حول التحيز، فإن دراسة الإدراك الاجتماعي الضمني لها مجموعتان متمايزتان من الجذور تتسمان بأنهما أكثر حداثة [3]، حيث تنبع المجموعة الأولى من التمييز بين معالجة المعلومات “المتحكم بها Controlled” و”التلقائية Automatic” التي قام بها علماء النفس المعرفي في سبعينيات القرن العشرين (على سبيل المثال: Shiffrin & Schneider, 1977)، ففي حين كان يُعتقد أن العمليات المتحكم بها تتسم بأنها إرادية، وتتطلب الانتباه، وهي ذات قدرة محدودة، كان يُنظر إلى العمليات التلقائية على أنها تنكشف دون الحاجة إلى الانتباه، وأنها ذات قدرة غير محدودة تقريبًا ويصعب كبحها طواعيةً (Payne & Gawronski, 2010; Bargh, 1994). وقد أظهر فازيو Fazio مع زملائه خلال عمل مبكر ومهم حول الإدراك الضمني أن الاتجاهات قد تُفهم على أن الدافع لها إما أن يكون العمليات المتحكم بها أو التلقائية، فخلال مهمة “التهيئة التتابعية” لفازيو  (Fazio, 1995)، وبعد التعرض لأسماء الفئات الاجتماعية (مثل “الَسود”، و”النساء”، الخ)، جرى قياس أوقات ردود فعل الأشخاص “أوقات الاستجابة” على الكلمات النمطية (مثل “الكسل” أو “الرعاية”). يستجيب الناس بشكل أسرع للمفاهيم المرتبطة ارتباطًا وثيقًا في الذاكرة، كما أن معظم الحالات المشاركة في مهمة التهيئة التتابعية كانت أسرع استجابة لكلمات مثل “كسول” بعد التعرض “للسود” أسرع من استجابتهم للكلمة بعد التعرض “للبيض”. يأخذ الباحثون هذا النمط بشكل قياسي للإشارة إلى الارتباط التلقائي المتحيز بين المفاهيم الدلالية، وقد كان المفهوم الأوسع المتضمن في هذا البحث أن استجابات المشاركين التلقائية يُعتقد أن تكون “غير ملوثة” بالاستجابات الاستراتيجية أو المتحكم بها (Amodio & Devine, 2009).

بينما ركز التيار الأول في البحث على التلقائية، كان تركيز التيار الثاني على الوعي واللاوعي، حيث أظهرت العديد من الدراسات أن الوعي بعمليات التنميط قد يؤثر في الحكم والسلوك الاجتماعي باستقلال نسبي عن التصرفات المسجلة للمشاركين (Devine, 1989; Devine & Monteith, 1999; Dovidio & Gaertner, 2004; Greenwald & Banaji, 1995; Banaji et al., 1993).

وقد كانت هذه الدراسات متأثرة بنظريات الذاكرة الضمنية، (مثل: Jacoby & Dallas, 1981; Schacter, 1987)؛ مما أفضى إلى ظهور التعريف الأصلي “للاتجاهات الضمنية” وفقًا لكل من Greenwald & Banaji بأنها:

آثار استبطانية غير محددة (أو محددة بشكل غير دقيق) إثر تجربة ماضية أدت إلى تعديل الشعور أو الفكر أو الفعل بالتفضيل أو عدم التفضيل تجاه الأمور الاجتماعية (1995:8).

وتتمثل الفكرة الموجهة هنا -كما ذكرها Dovidio and Gaertner (1986)- في أن التحيز في العالم الحديث “مدفوع بشيء خفي” خارج الإدراك الواعي، وقد قادت هذه الفكرة إلى تشكل نظرة عامة مفادها أن ما يصنع التحيزَ الضمني هو عدم استعداد الشخص أو عدم قدرته على ملاحظة هذا التحيز، إلا أن النتائج الأخيرة شككت في هذه النظرة (انظر الفقرة 3-1).

1-2 المقاييس الضمنية:

ليس بالضرورة أن ما يقوله الشخص يعتبر تمثيلاً جيدًا عن كل ما يشعر به أو يفكر فيه، ولا حتى عمَّا سيفعله، ويمكن القول بأن التقدم الجوهري في الأبحاث حول الإدراك الاجتماعي الضمني يكمن في القدرة على تقييم أفكار الناس ومشاعرهم وتصرفاتهم دون سؤالهم بشكل مباشر “ماذا تعتقد/ تشعر حول س؟” أو “ماذا ستفعل في الموقف ص؟”.

وبالتالي، يمكن رؤية المقاييس الضمنية على أنها الأدوات التي تُقيّم أفكار الناس ومشاعرهم وتصرفاتهم بشكل غير مباشر، وهو ما يعني عدم الاعتماد على “التقرير الذاتي”، إلا أن هذا الاستنتاج مبكر للغاية، فعلى سبيل المثال، يُعد الاستطلاع الذي يسأل المشاركين: “ما رأيك بالأشخاص ذوي البشرة السمراء؟” استطلاعًا صريحًا ومباشرًا، بمعنى أن حكم المشاركين يكون إقرارًا صريحًا، بالإضافة إلى أن المشارك يُسأل مباشرةً عن الموضوع الذي يشغل اهتمام الباحثين، ومع ذلك، فإن الاستطلاع الذي يسأل: “ما رأيك بدارنيل؟” (وهو اسم يشير في الصورة النمطية إلى شخص ذو بشرة سمراء) يُعد استطلاعًا صريحًا لأن حكم المشارك سجل صراحة، لكنه في الوقت نفسه غير مباشر؛ لأن الباحث هو من سيفسر محتوى الحكم (اتجاهات المشارك نحو العرق)، علاوة على ذلك، فإن التمييز بين المقاييس المباشرة وغير المباشرة يُعد أمرًا نسبيًّا وليس مطلقًا، فحتى في بعض المقاييس المباشرة مثل جرد الشخصية، قد لا يكون المشاركون على دراية كاملة بالموضوع محل الدراسة.

وتستخدم كلمة “ضمني” في الأدبيات في أربعة أشياء متميزة على الأقل (Gawronski & Brannon, 2017) : (1) بناء سيكولوجي مميز كـ “الاتجاه الضمني”، الذي يُقاس بواسطة مجموعة متنوعة من الأدوات. (2) مجموعة مترابطة من الأدوات تسمى “المقاييس الضمنية”، التي تقيس آراء الناس ومشاعرهم بطريقة محددة، (مثل طريقة القياس التي تقلل من اعتماد الأشخاص على الاستبطان وقدرتهم على الاستجابة بشكل استراتيجي). (3) مجموعة من العمليات المعرفية والعاطفية تسمى “العمليات الضمنية”، التي تؤثر في استجابات الأشخاص على مجموعة متنوعة من المقاييس. (4) نوع من السلوك التقييمي -كأحكام التصنيف- الذي تثيره ظروف محددة، مثل الحمل المعرفي.

في هذا المدخل، سوف أستخدم كلمة “ضمني” بالمعنى (2) و(4)، ما لم يُذكر خلاف ذلك، وإن أحد مزايا هذا النهج يتمثل في أنه يسمح للمرء بألاَّ يُكون رأيًا قاطعًا حول طبيعة الظواهر التي تقيّم المقاييس الضمنية [4].

لنعد إلى فرانك مرة أخرى، حيث يمكن تقييم تحيزه الضمني على أساس الجنس من خلال عدة أدوات مختلفة، كالتهيئة التتابعية أو “اختبار الترابط الضمني Implicit Association Test” (IAT; Greenwald et al., 1998). يُعد اختبار الترابط الضمني أكثر الاختبارات الضمنية شهرة، ويستخدم كمقياس لوقت رد الفعل، وخلال الاختبار القياسي، يحاول المستجيب تصنيف الكلمات أو الصور إلى فئات بأسرع وقت ممكن، وبأقل قدر من الأخطاء، وفي الصور التالية، ستكون الإجابات الصحيحة يسار، يمين، يسار، يمين.

التحيز الضمني

صورة 1

 

صورة 2

 

صورة 3

 

صورة 4

جميع حقوق الطبع والنشر هي لـ  http://projectimplicit.net  ونشرت هنا مع الإذن.

ويتم حساب درجة الاختبار من خلال مقارنة معدلات السرعة والخطأ بين التجارب التي تتسق فيها المفاهيم مع الصور النمطية الشائعة (الصورتان 1 و3)، والتجارب التي لا تتسق فيها المفاهيم مع الصور النمطية الشائعة (الصورتان 2 و4). وبالتالي، إذا كان فرانك مطابقًا لمعظم المشاركين، فإنه سيكون أسرع وأقل ارتكابًا للأخطاء في التجارب المتسقة مع الصور النمطية أكثر من التجارب غير المتسقة مع الصور النمطية، وفي حين أن هذا الاختبار حول “الجنس – المهنة” يربط بين المفاهيم (كالربط بين “ذكر” و”مهنة”)، فإن اختبارات الترابط الضمني الأخرى، مثل اختبار الترابط الضمني حول “العرق – التقييم”، يربط بين المفاهيم والتقييم (مثل الربط بين “السود” و”السوء”). تُقيّم اختبارات الترابط الضمني الأخرى صورة الجسد، والعمر، والميل الجنسي، وما إلى ذلك، وقد تم إجراء ما يقرب من 26 مليون اختبار للترابط الضمني حتى عام 2019م (على الرغم من عدم وضوح ما إذا كان هذا الرقم يعكس مشاركة 26 مليون فرد، أو أن هناك 26 مليون اختبار تم إجراؤه : Lai p.c). كما أن إحدى المراجِعات (Nosek et al., 2007)، التي أجرت اختبار الترابط الضمني حول “العرق – التقييم” على أكثر من 700 ألف مشارك، قد وجدت أن ما يربو عن 70٪ من المشاركين من ذوي البشرة البيضاء، كان من السهل عليهم ربط الوجوه من ذوي البشرة السمراء بالكلمات السلبية (مثلاً: حرب، سيئ)، وربط الوجوه من ذوي البشرة البيضاء بالكلمات الإيجابية (مثل: سلام، جيد). وينظر الباحثون إلى أن هذا تفضيل ضمني للوجوه البيضاء على الوجوه السمراء [5].

وبالرغم من أن هذا الاختبار يظل المقياس الضمني الأشهر، فإنه بالتأكيد ليس المقياس الوحيد، حيث توجد مقاييس ضمنية أخرى بارزة، كثير منها مشتق من التهيئة التتابعية، تتمثل في التهيئة الدلالية (Banaji & Hardin, 1996)، وإجراء أثر العزو الخاطئ (AMP; Payne et al., 2005) بالإضافة إلى تطوير “الجيل الثاني” من المقاييس القائمة على التصنيف (كاختبار الترابط الضمني)، على سبيل المثال مقياس مهمة الاقتران بالموافقة وعدم الموافقة Go/No-go Association Task (GNAT; Nosek & Banaji, 2001)، والذي يعرض على المشاركين هدفًا واحدًا بدلاً من اثنين لأجل تحديد ما إذا كانت التفضيلات أو النفور مسؤولة بالمقام الأول عن النتائج على مقياس اختبار الترابط الضمني القياسي (مثل سهولة اقتران الكلمات الجيدة مع الوجوه ذات البشرة البيضاء والكلمات السيئة مع الوجوه ذات البشرة السمراء، أو صعوبة اقتران الكلمات الجيدة مع الوجوه ذات البشرة السمراء والكلمات السيئة مع الوجوه ذات البشرة البيضاء: Brewer, 1999).

إن التطور الملحوظ في القياسات النفسية للتحيز الضمني يتمثل في ظهور النماذج متعددة الحدود (أو عملية منهجية)، التي تحدد العمليات المميزة التي تساهم في الأداء على المقاييس الضمنية، على سبيل المثال، يميل المسنون إلى إظهار تحيز أكبر على مقياس اختبار الترابط الضمني حول “العرق – التقييم” مقارنة بالشباب، ويمكن عزو ذلك إلى امتلاك المسنين تفضيلات أقوى تجاه ذوي البشرة البيضاء، أو بسبب ضعف قدرتهم على التحكم في استجاباتهم المنحازة (Nosek et al, 2011). وتستخدم النماذج متعددة الحدود، مثل نموذج العملية الرباعية Quadruple Process Model  (Conrey et al., 2005) في عزل هذه الاحتمالات، حيث يحدد النموذج الرباعي أربع عمليات مميزة تسهم في الاستجابات: (1) التنشيط التلقائي للاقتران. (2) قدرة المستجيب على تحديد الإجابة الصحيحة (أي أن الرد يعكس التقييم الذاتي للحقيقة). (3) القدرة على تجاوز الاقتران التلقائي. (4) تحيزات الاستجابات العامة (مثل: تفضيل الردود الموجودة ناحية اليد اليمنى). لقد أوضحت النمذجة متعددة الحدود أن المقاييس الضمنية ليست “عمليات خالصة”، أي أنها لا تعتمد على عملية سيكولوجية واحدة وموحدة.

وعلى الرغم من عدم وجود إجماع على ما تقيسه المقاييس الضمنية (الفقرة 2)، فمن الواضح أنها توفر ثلاثة أنواع على الأقل من المعلومات (Gawronski & Hahn, 2019):

أولاً: معلومات عن الانفصام مع أكثر المقاييس الصريحة والمباشرة، حيث تميل الارتباطات بين المقاييس الضمنية والصريحة إلى أن تكون منخفضة نسبيًّا (تتراوح بين 20٪ و25٪، انظر Hofmann et al., 2005; Cameron et al., 2012)، مع أن هذه العلاقات تتأثر بالممارسات المنهجية بشكل كبير، مثل مقارنة عدم تطابق المقاييس الضمنية والصريحة (على سبيل المثال، أحد القياسات الضمنية للقوالب النمطية الجنسانية و”مقياس حرارة المشاعر” الصريح تجاه المرأة)، إن من المهم ملاحظة اتساع نطاق البحث في هذا السياق؛ حيث توجد حالات انفصام بين المقاييس الضمنية والمقاييس الصريحة في دراسة الشخصية (على سبيل المثال، Vianello et al., 2010)، والاتجاهات نحو شرب الكحوليات (مثل de Houwer et al., 2004)، والرهاب (Teachman & Woody, 2003)، وأكثر من ذلك.

ثانيًا: يمكن استخدام المقاييس الضمنية كمتغيرات تابعة في التجارب، على سبيل المثال، ركزت النظريات المتعلقة بتكوين الاتجاهات وتغييرها على الآثار المتباينة للتلاعب، مثل المعلومات الاتجاهية المضادة، على المقاييس الضمنية والصريحة (مثل: Gawronski & Bodenhausen, 2006; Petty, 2006).

ثالثًا: تُستخدم المقاييس الضمنية للتنبؤ بالسلوك، وقد اهتم الفلاسفة بشكل خاص بالعلاقة بين التحيز الضمني والسلوك التمييزي، لاسيما عند تعارض السلوك التمييزي مع المعتقدات الشخصية المصرح بها (كما هو الحال في قضية “فرانك” أعلاه). تشير الدراسات إلى العلاقات بين التحيز الضمني والسلوك في مجموعة كبيرة ومتنوعة من السياقات الاجتماعية، بدءًا من التوظيف مرورًا بأعمال الشرطة والطب والتدريس وغيرها (للاطلاع على قائمة غير مكتملة انظر الجدول 1 في دراسة Jost et al., 2009). كما توجد نقاشات ضخمة ومتنوعة ومستمرة حول مدى تنبؤ المقاييس الضمنية بالسلوك، إلى جانب العديد من التقييمات النقدية ذات الصلة بالمعلومات التي توفرها المقاييس الضمنية (الفقرة 5).

2- الميتافيزيقا:

يستخدم مصطلح “التحيز الضمني” بطرق متنوعة، حيث يستخدم في هذا المدخل للإشارة إلى مجموعة مترابطة من الأحكام التقييمية والسلوكيات المُقيّمة بواسطة المقاييس الضمنية، (مثل أحكام التصنيف على مقياس اختبار الترابط الضمني)، هذه المقاييس تحاكي بعض الجوانب ذات الصلة بالحكم واتخاذ القرار خارج المختبر (مثل ضغط الوقت). لكن السؤال المطروح هو: ما الذي تقيسه هذه المقاييس؟ على الرغم من وجود بعض الحدود الضبابية، فإن النظريات الفلسفية والنفسية يمكن تقسيمها إلى خمس مجموعات، نظرًا لأن المقاييس الضمنية قد توفر معلومات عن الاتجاهات (الفقرة 2-1)، أو العمليات الضمنية (الفقرة 2-2)، أو المعتقدات (الفقرة 2-3)، أو الصفات (الفقرة 2-4)، أو المواقف (الفقرة 2-5).

2-1 الاتجاهات:

تُعد الفكرة القائلة بأن اتجاهات الناس هي السبب في التحيز الضمني من الأفكار المنتشرة، ومع ذلك يشيع استخدام مصطلح “الاتجاهات” بشكل مختلف في علم النفس والفلسفة، حيث إن مصطلح الاتجاهات في علم النفس يكون أقرب إلى معنى التفضيلات (بمعنى الإعجاب والكراهية)؛ ولا يشير إلى حالات القضوية في حد ذاتها (أي الحالات العقلية التي يُعتقد أن لها علاقة بأحد القضايا)، كما هو الحال في الفلسفة. وإن معظم النظريات الاتجاهية للتحيز الضمني تستخدم هذا المصطلح بمعناه في علم النفس، لكننا سنلاحظ وجود بعض الاختلافات أدناه.

2-1-1 الاتجاهات المزدوجة في علم النفس:

افترضت النظريات المبكرة والمؤثرة أن الناس يحملون اتجاهين مختلفين داخل عقولهم، تجاه الشيء نفسه: أحدهما ضمني، والآخر صريح (Greenwald & Banaji, 1995; Wilson et al., 2000)، وتُحدد “الاتجاهات الصريحة” عادةً من خلال الاتجاهات المصرح بها لفظيًّا، في حين أن “الاتجاهات الضمنية” هي تلك التي لا يصرح بها الشخص، إما لعدم رغبته أو لعدم قدرته على ذلك، وترجع معظم الأدلة على نظريات الاتجاهات المزدوجة إلى مصدرين؛ يتمثل أحدهما في التقارير القصصية عن مشاعر الدهشة والذعر التي يعبر عنها الناس في بعض الأحيان بعد إبلاغهم عن أدائهم على المقياس الضمني (مثل: Banaji, 2011; Krickel, 2018)، حيث تشير هذه التجارب إلى أن الناس لا يكتشفون اتجاهاتهم الضمنية المفترضة إلا عبر إجراء الاختبارات ذات الصلة، تمامًا مثلما لا يعلم الشخص بارتفاع نسبة الكوليسترول في دمه إلا عبر إجراء الاختبارات اللازمة، في حين أن المصدر الثاني للأدلة الداعمة لنظرية الاتجاهات المزدوجة يتمثل في حالات الانفصام بين المقاييس الضمنية والمقاييس الصريحة (الفقرة 1-2)، حيث تشير هذه الحالات إلى إمكانية الاستفادة من المقاييس الضمنية والصريحة في التمثيلات المتباينة للاتجاه الواحد (مثل اتجاه “المسنين”).

ويكمن التحدي الرئيس لهذا النوع من النظريات في معرفة ما إذا كان الناس لا يدركون حقًّا  تحيزاتهم الضمنية، وإذا كان الأمر كذلك، فبأي طريقة يحدث ذلك؟ (مثل معرفة ما إذا كان الناس غير مدركين لمصدر اتجاهاتهم أو مضمونها أو آثارها السلوكية؛ (الفقرة 3-1). وقد تكون هناك أسباب دفعت إلى افتراض وجود تمثيلات لا واعية داخل العقل البشري، بغض النظر عما إذا كان الناس يدركون تحيزاتهم الضمنية أو لا، لكن إذا كان الناس مدركين لتلك التحيزات، فمن المرجح حينها أن المقاييس الضمنية لن تقيس الاتجاهات “المزدوجة” اللاواعية.

2-1-2 الاتجاهات المزدوجة في الفلسفة:

يرى بعض الفلاسفة أن المقاييس الضمنية تُقيِّم نوعًا فريدًا من الاتجاهات “الموجهة للأفعال”، والتي تختلف عن الاتجاهات العادية، لكن ليس بالضرورة أن يكون الاختلاف في كونها اتجاهات لا واعية. وتكمن الفكرة الأساسية هنا في أن الاتجاهات  الضمنية تربط التمثيلات العقلية بالدوافع السلوكية [6]. ويُعدّ وصف تامار جيندلر Gendler (2008a,b, 2011, 2012) لمصطلح “الاتجاه التلقائي Alief” رمزًا لهذا النهج، حيث وصفته بأنه حالة عقلية فريدة من نوعها تتألف من نسيج محكم من التفعيل المشترك للمكونات التمثيلية (R)، والعاطفية (A)، والسلوكية (B). وتقول تامار: إن المكونات الثلاثة R-A-B للاتجاه التلقائي تُعد بمثابة “حزمة” مجمعة أو “متكتلة” معًا بطريقة معينة، بحيث إن الشخص المتحيز ضمنيًّا عندما يري أمامه وجهًا أسود في سياق معين، فإن التمثيلات العقلية لهذا الشخص ستُنشِّط تلقائيًّا مشاعر وسلوكيات معنية (أي أن المكونات R-A-Bكتلة واحدة)، ويتناقض هذا الطرح مع الطبيعة “التوافقية” للمعتقدات والرغبات العادية، حيث إن أي اعتقاد يمكن من حيث المبدأ أن يكون مقترنًا بأي رغبة، وبالتالي على الرغم من أن الاعتقاد بأن “هذا الرجل أسود” ليس مرتبطًا بمشاعر أو سلوكيات معينة، فإن مضمون الاتجاه التلقائي سيكون من قبيل : “إنه رجل أسود! إنه مخيف! يجب تجنبه!”.

وأضافت جيندلر “أن يكون لديك اتجاه تلقائي”، معناه: أن تمتلك نزعة فطرية أو اعتيادية للاستجابة لمحفز واضح بطريقة معينة، أي أنك تكون بحالة عقلية ترابطية وتلقائية وغير منطقية؛ ونظرًا لكوننا فصيلاً من الفصائل الحية، فإن الاتجاهات التلقائية تُعد بمثابة الحالات التي نتقاسمها مع الحيوانات؛ فهي أسبق من الاتجاهات المعرفية الأخرى فيما يتعلق بالناحية التطورية والنظرية حتى إن الكائنات الحية قد تستمر في تطويرها، كما أنها عادة ما تكون محملة بالأثر ومولدة للفعل (2008b: 557, original emphasis; see also 2008a: 641).

ووفقًا لجيندلر، فإن الاتجاهات التلقائية تفسر لنا مجموعة واسعة من الحالات المحيرة من عدم انسجام الاعتقاد مع السلوك، ولا يقتصر ذلك على التحيز الضمني فقط، بل يشمل أيضًا الرهاب، والمشاعر الوهمية، والعادات السلبية  (2008b:554)، وفي الواقع، تشير جيندلر (2008a:663) إلى أن الاتجاهات التلقائية هي المسؤولة عن الكثير من “الإدارة اللحظية” في السلوك البشري، سواء كان هذا السلوك منسجمًا مع المعتقدات أم لا.

وقد أثار النقاد عددًا من الهواجس حول هذا النهج، خاصة ما إذا كانت الاتجاهات التلقائية المفترضة تشكل نوعًا موحدًا أو أنواعًا متعددة (Egan, 2011; Currie & Ichino, 2012; Doggett, 2012; Nagel, 2012; Mandelbaum, 2013). واقترح آخرون مفاهيم بديلة للاتجاهات المزدوجة الموجهة للأفعال، على سبيل المثال، اقترح العالمان براونشتاين ومادفا (2012a,b; وانظر إلىMadva and Brownstein, 2018 and Brownstein, 2018) أن الاتجاهات الضمنية تتألف من أربعة مكونات: (السمة Feature – التوتر Tension – السلوك Behavior – تخيف التوتر  Alleviation)،  ويرمز لها بالأحرف F-T-B-A، حيث إن إدراك السمة البارزة لأي شيء يثير مشاعر تلقائية منخفضة المستوى من التوتر العاطفي، وترتبط تلك المشاعر بدورها مع استجابات سلوكية محددة، إما أن تخفف تلك الاستجابات من التوتر الذي يشعر به الشخص أو لا، ويتفق هذا النهج مع فكرة الدكتورة جيندلر في أن الاتجاهات التلقائية/ الضمنية تختلف من حيث النوع عن الاتجاهات الصريحة/ المرتكزة على المعتقدات، علاوة على ذلك، فإن الاختلاف بين تلك الأنواع المفترضة من الحالات الذهنية لا يكمن بالضرورة في قدرة الشخص على الوصول إليها، وعلى الرغم من أن المعتقدات النموذجية تُحدّث عندما يطلب الشخص معلومات جديدة ذات صلة بالاعتقاد، فإن الاتجاهات التلقائية النموذجية لا تفعل ذلك وفقًا لرؤية جيندلر ، وفي المقابل، يزعم براونشتاين ومادفا أن الاتجاهات الضمنية تُحدّث بالفعل عند تلقي معلومات جديدة – وهنا تكمن وظيفة التغذية المسبقة “لتخفيف التوتر” – وبالتالي يمكن مع مرور الوقت تعديل تلك الاتجاهات وتحسينها تلقائيًّا وبمرونة، إذن وفقًا لبراونشتاين ومادفا، فإن الاتجاهات الضمنية ليست مسؤولة فقط عن التحيز والتعصب، بل مسؤولة أيضًا عن الأفعال التي تتسم  بالبراعة، والذكاء، وكذلك الأعمال الأخلاقية [7]، لكن بالرغم من أن الاتجاهات الضمنية لا تخرج فجأة كالقذيفة، أي أن انعكاساتها لا تتأثر فورًا بالمعلومات من وجهة نظر براونشتاين ومادفا، فإنها أيضًا لا تُحدّث بالطريقة ذاتها التي يتم بها تحديث الاتجاهات العادية.

ويوضح براونشتاين ومادفا هذا الفارق من خلال سمتين رئيستين؛ أولاً: أن الاتجاهات الضمنية ليست حساسة بصورة نموذجية للشكل المنطقي الذي تقدم فيه المعلومات، على سبيل المثال، أظهر المستجيبون طريقة تشكيل اتجاهات ضمنية متكافئة بالاعتماد على بعض المعلومات، ونفي تلك المعلومات ( على سبيل المثال : Gawronski et al., 2008). ثانيًا: تفشل الاتجاهات الضمنية في الاستجابة بطريقة منهجية للمضامين الدلالية المتعلقة بالحالات الذهنية الأخرى، حيث تبدو بأنها “ضعيفة استدلاليًّا”. على سبيل المثال، تتسبب الاتجاهات الضمنية في سلوكيات يصعب عليها تقديم تفسير استدلالي لها (على سبيل المثال: Dovidio et al., 1997)، بالإضافة إلى تغير استجابتها للمعلومات غير المتصلة بها (على سبيل المثال: Gregg et al.,2006 ; Han et al., 2006). كما أن ليفي Levy (2012، 2015) – الذي يجادل بأن الاتجاهات الضمنية تُعد بمثابة “موافقات غير متجانسة” – يقدم ادعاءات مماثلة حول الطرق التي يتم بها تحديث الاتجاهات الضمنية أو بقائها كما هي، على الرغم من أنه لا يرى أن هذه الأنواع من الحالات الذهنية “موجهة للأفعال” بالطريقة التي يراها كلٌّ من جيندلر وبراونشتاين ومادفا، وجدير بالذكر أن النقاشات حول هذه النتائج لا تزال مستمرة (الفقرة 2-3).

2-1-3 الاتجاهات الأحادية:

تفترض بعض النظريات وجود تمثيل عقلي وحيد للعلاقة بين الاتجاهات والحكم على الأشياء، فبحسب نموذج “الدوافع والفرص بوصفها محددات” (“Motivation and Opportunity as Determinants”; Fazio 1990; Fazio & Towles-Schwen, 1999; Olson & Fazio, 2009) ونموذج الماوراء إدراكي (“Meta-Cognitive Model”; Petty, 2006; Petty et al., 2007)، فإن الاتجاهات هي روابط بين الأشياء و”المعرفة التقييمية” بشأن تلك الأشياء، يفترض نموذج الدوافع والفرص أن تمثيلاً فرديًّا واحدًا يكمن وراء الآثار السلوكية المقيسة بالاختبارات الضمنية والصريحة، وبذلك تنفي النظرية وجود اختلاف بين الاتجاهات الضمنية والصريحة، وبالتالي، فإن الاختلاف بين المقاييس الضمنية والصريحة إنما هو انعكاس للاختلاف في مدى قدرة الأشخاص على التحكم في سلوكهم المقيس، فالتحكم يُفهم من حيث دافعية وفرصة التفكير المتعمق، فعندما يكون الدافع منخفضًا أو لا توجد فرصة كافية لدى الشخص للانخراط في التفكير المتعمق، فإن اتجاهاته المُحفزَة تلقائيًّا- التي قد يُنظر إليها على أنها اتجاهاته “الحقيقية”- ستوجه سلوكه وحكمه، ويمكن للمقاييس الضمنيّة اختلاق هذا الموقف (حيث يكون التحكم منخفضًا نتيجة تدني الدافع أو عدم وجود فرصة كافية للتفكير المتعمق أو كلا الأمرين). وفي المقابل، تزيد المقاييس الصريحة من المساهمات غير المعتمدة على الاتجاهات من أجل اختبار الأداء، وبالتالي، توفر نظرية “الدافعية والفرصة” تنبؤات قابلة للاختبار تجريبيًّا حول الظروف التي ستؤدي إلى تقارب أداء الشخص أو تباعده على المقاييس الضمنية والصريحة، بالإضافة إلى التنبؤات عن الظروف التي تسمح للمقاييس الضمنية والصريحة بتوقع سلوك الشخص أو عدم توقعه (انظر Gawronski & Brannon, 2017 for review).

2-2 العمليات الضمنية:

يشير كلٌ من النموذج الانعكاسي الاندفاعي  (“Reflective-Impulsive Model”; Strack & Deutsche, 2004)، والتقييم الارتباطي القضوي (“Associative-Propositional Evaluation”; Gawronski &Bodenhausen,2006, 2011) إلى أن المقاييس الضمنية تقيّم العمليات المعرفية المميزة، وهما متأثران بنظريات العمليات الذهنية المزدوجة، وإن الاختلاف الرئيس بين النموذج الانعكاسي الاندفاعي والتقييم الارتباطي القضوي يتمثل في الفارق بين العمليات “الارتباطية Associative” و”القضوية Propositional”. يقال: إن العمليات الارتباطية تكمن وراء نظام اندفاعي يعمل وفقًا لمبادئ التداعي الكلاسيكية المتعلقة بالتشابه والتجاور، ويُنظر للمقاييس الضمنية على أنها تقييم لإمكانية الوصول الخاطف إلى عناصر أو نقاط التقاء في شبكة من الروابط، وتنتج هذه الشبكة استجابات تقييمية عفوية للمحفزات، من ناحية أخرى، فإن العمليات القضوية تقوم على أساس نظام انعكاسي يتحقق من صحة المعلومات التي تقدمها الروابط المنشطة، يُعتقد أن المقاييس الصريحة تلتقط عملية التحقق تلك، التي يقال: إنها تعمل وفقا للاستدلال القياسي للشخص وأحكامه المتسقة مع المنطق، وخلاصة القول إن الفارق الرئيس بين العمليات الارتباطية والعمليات القضوية وفقا للنموذج الانعكاسي الاندفاعي والتقييم القضوي الارتباطي يكمن في أن المعالجة القضوية وحدها تعتمد على تقييم الشخص لحقيقة التمثيل المعطى[8]. كما أن التقييم القضوي الارتباطي يهدف بشكل خاص إلى شرح التفاعلات والتأثيرات المتبادلة للعمليات الارتباطية والقضوية في الحكم والسلوك.

يتشابه النموذج الانعكاسي الاندفاعي والتقييم الارتباطي القضوي في بعض النواحي مع نظريات الاتجاهات المزدوجة في الفلسفة التي نوقشت أعلاه. وفي الواقع، يرى بودينهاوزن وجورونسكي (Bodenhausen & Gawronski, 2014:957) أن “الفرق بين التقييمات الارتباطية والقضوية مشابه للفرق بين “الاتجاهات التلقائية” والمعتقدات في الفلسفة الإبستمولوجية الحديثة”. ومن المهم أن نضع في اعتبارنا أن النموذج الانعكاسي الاندفاعي والتقييم الارتباطي القضوي لا يعتبران من النظريات الاتجاهية، على سبيل المثال، يفترض التقييم الارتباطي القضوي نوعين مختلفين من العمليات – العمليات الارتباطية والقضوية – التي تفضي إلى نوعين من الاستجابات التقييمية تجاه المحفزات – الاستجابات الضمنية والصريحة، لكن التقييم لا يفترض وجود اتجاهين مختلفين أو تمثيلين مختلفين داخل النوع الواحد، ومن المهم أيضًا الإشارة إلى أن الاختلاف بين العمليات الارتباطية والعمليات القضوية يمكن فهمه من ثلاثة أوجه على الأقل، كما هو الحال مع الطريقة التي يتم بها تعلم المعلومات أو تخزينها أو التعبير عنها (Gawronski et al., 2017). وفي الوقت الراهن، تخلط الأدلة العلمية في الفصل بين العمليات الارتباطية والقضوية من حيث تعلُّم المعلومات وتخزينها، في حين أنها تكون أقوى في فصل التعبير السلوكي للمعلومات المخزنة (Brownstein et al., 2019).

2-3 الاعتقادات:

يرى بعضهم أن المفاهيم المألوفة مثل الاعتقاد والرغبة والادعاء يمكن في الواقع أن تفسر التصورات التي يتضمنها لفظ جديد مثل “الاتجاهات الضمنية” (Egan, 2011; Kwong, 2012; Mandelbaum, 2013)، وقد دافع أغلب العلماء عمَّا يسميه الفيلسوف إريك شفيتزجبيل (Schwitzgebel, 2010) الاعتقاد المتناقض Contradictory Belief (Egan, 2008, 2011; Huebner, 2009; Gertler, 2011; Huddleston, 2012; Muller & Bashour, 2011; Mandelbaum, 2013, 2014, يصدر قريبًا) [9]. وبالاعتماد على نظريات “تجزئة” العقل (Lewis, 1982; Stalnaker, 1984)، يشير مصطلح الاعتقاد المتناقض إلى أن المقاييس الضمنية والصريحة تعكس على حد سواء اعتقاد الشخص، وأن هذه المجموعات المختلفة من المعتقدات قد تكون مسؤولة سببيًّا عن سلوك مختلف في سياقات مختلفة (Egan, 2008)، وباختصار، إذا تصرف شخص ما بطريقة تتماشى مع الاعتقاد بأن الرجال السود خطيرين؛ فذلك لأنه يعتقد بأن الرجال السود خطيرون (حتى لو صرح بأنه يعتقد خلاف ذلك).

2-3-1 النموذج القضوي للاتجاهات الضمنية:

دافع دي هوير De Houwer وزملاؤه في أدبيات علم النفس عن الرأي الذي قد يدعم مصطلح “الاعتقاد المتناقض” (Mitchell et al. 2009; Hughes et al. 2011; De Houwer, 2014). في هذا النموذج، تتميز القضايا [10] بثلاث سمات محددة: (1) أن القضايا هي عبارات عن العالم تحدد طبيعة العلاقة بين المفاهيم (على سبيل المثال: “أنا بخير” و”أريد أن أكون بخير” هي قضايا تنطوي على المفاهيم ذاتها “أنا” و”الخير”، ولكن تختلف طريقة ربط تلك المفاهيم). (2) يمكن تشكيل القضايا بسرعة على أساس التعليمات أو الاستنتاجات. (3) أن الأشخاص يكونون واعين بشأن القضايا (De Houwer, 2014). بناءً على البيانات المتسقة مع هذه المعايير – مثل أن الاستجابات على المقاييس الضمنية تتأثر بالتعليمات التي تصدر مرة واحدة – يزعم دي هوير (2014) أن المقاييس الضمنية تلتقط الحالات القضوية (مثل، المعتقدات) [11] . فيمثِّل هذا الادعاء تطبيقًا أوسع لحجة ميتشل Mitchell  وزملائه (2009) التي مفادها أن جميع حالات التعلم قضوية (أي أنه لا يوجد حالة يكون فيها التعلم نتيجة لربط تلقائي ارتباطي للتمثيلات العقلية)، وإن أحد أسباب اهتمام الفلاسفة بهذا الرأي يرجع إلى صداه مع النقاشات الكلاسيكية في فلسفة العقل بين التجريبيين والعقلانيين،  وبين السلوكيين والمعرفيين، وهلم جرًّا.

2-3-2 الاعتقاد العام:

يجادل نهج آخر قائم على الاعتقاد بأن التحيزات الضمنية يجب أن تفهم على أنها “مخططات” معرفية. وتتكون تلك المخططات من مجموعات متشابكة من المفاهيم والمعتقدات المشتركة ثقافيًّا. وبتعبير أدق، المخططات هي هياكل معرفية مجردة تحدد الخصائص والسمات المميزة للهدف (Fiske & Linville, 1980)، يستحضر مصطلح “الأم”، على سبيل المثال، مخططًا ينسب مجموعة من السمات إلى الشخص المسمى بهذا الاسم (Haslanger, 2015)، وفي بعض الاعتبارات، تكون المخططات المعرفية “باردة” (Valian, 2005)؛ ولذا يرى علماء النفس أنها ليست اتجاهات، وإنما أدوات للتصنيف الاجتماعي، وعلى الرغم من أنها قد تساعد على تنظيم وتفسير المشاعر والدوافع، إلا أنها  لا تؤثر بحد ذاتها، وتتمثل إحدى مزايا التركيز على المخططات في أن القيام بذلك يؤكد أن التحيزات الضمنية ليست مسألة كراهية مباشرة تجاه أعضاء مجموعة موصومة اجتماعيًّا.

تقدم الأعمال الحديثة في فلسفة اللغة نسخة مختلفة من نهج الاعتقاد العام، حيث يركز هذا النهج على القوالب النمطية التي تنطوي على تعميم السلوك المتطرف أو المروع من عدد من الأفراد تجاه المجموعات، وإن مثل تلك التعميمات، مثل التعميم بأن “كلاب بيتبول تهجم على الأطفال” أو أن “المسلمين متطرفون”، يمكن النظر إليها على أنها نوع محدد من العبارات العامة، والتي يطلق عليها ليزلي Leslie (2017) اسم “السمة العامة البارزة”. تعرّف هذه الفئة الفرعية من العموميات من خلال وجود دلالات تعبر عن السمات التي عادة ما يكون لدى الناس اهتمام شديد بتجنبها؛ وبناءً على العمل السابق على البنية المعرفية والدلالات العمومية لاحظ ليزلي (Leslie, 2007,2008) وجود سمة خبيثة في القولبة الاجتماعية: تتمثل في أنه حتى لو أظهر عدد قليل فقط من أفراد المجموعات التي ينظر إليها على أنها نوع مهم (مثل: البيتبول، المسلمون) سمة خطيرة أو ضارة، فمن المرجح أن يحكم الناس بصحة الاعتقاد العام الذي ينسب تلك السمة إلى ذاك النوع، إلا أن هذا الأمر ينطبق فقط على السمات البارزة، ومثلما أشار ليزلي (Leslie, 2017) ، فلا يحتاج المرء لحالات قتل كثيرة كي ينظر إليه كسفاح مقارنة بعدد حالات القلق كي ينظر إليه باعتباره قلقلاً ، بالتالي، فإن السمات العامة البارزة قد تلقي المزيد من الضوء على بعض صور القولبة الاجتماعية (مثل: “الرجال السود مغتصبون”) أكثر من الصور الأخرى (مثل: “الرجال السود رياضيون”)، ومع ذلك، تفسر إيرين بيغلي (Beeghly, 2014) الاعتقادات العامة على أنها تعبيرات عن المخططات المعرفية، التي قد توسع نطاق التفسير من خلال نوعية التصريحات العامة، وفي جميع تلك الحالات، تنطوي الاعتقادات العامة على مصفوفة من السمات الموجهة للمعتقدات الشخصية، على سبيل المثال، تتضمن الاعتقادات العامة استدلالات على التصرفات (Leslie, 2017)، أي أن التصريحات العامة حول السمات البارزة عادة ما يتم الحكم بصحتها، في حالة ما إذا كانت تلك السمة موجودة لدى بعض أفراد هذا النوع فقط ، بالإضافة إلى أن أفرادًا آخرين من هذا النوع لديهم استعداد للتحلي بتلك السمة.

2-3-3 تثبيت الاعتقاد الاسبينوزي:

كان الدفاع الأكثر وضوحًا عن فكرة الاعتقاد المتناقض من خلال نظرية “تثبيت الاعتقاد الاسبينوزي Spinozan Belief Fixation” (SBF; Gilbert, 1991; Egan, 2008, 2011; Huebner, 2009; Mandelbaum, 2011, 2013, 2014, 2016)، يستوحي أنصار النظرية رؤيتهم من رفض سبينوزا لمفهوم الإرادة كسبب لحرية الفعل (Huebner, 2009:68)، وهي فكرة جسدها ما يسمونه نظرية “تثبت الاعتقاد الديكارتي Cartesian Belief Fixation CBF”، وتنص نظرية الاعتقاد الديكارتي على أن الأشخاص العاديين قادرون على تقييم حقيقة أي فكرة (أو تمثيل أو قضية) تصل إلى العقل (عن طريق الإحساس أو الخيال) قبل تصديقها أو عدم تصديقها، وبعبارة أخرى، يمكن للأشخاص اختيار تصديق القضية أو عدم تصديقها عن طريق التداول أو الحكم.

وفي المقابل، ترى نظرية تثبيت الاعتقاد الاسبينوزي أنه بمجرد عرض الفكرة على العقل يتم التصديق بها، ويُنظر إلى المعتقدات من وجهة النظر هذه على أنها اتجاهات قضوية لا واعية تتشكل تلقائيًّا بمجرد أن يسجل أو يرمّز الشخص مضمون تلك الاتجاهات. على سبيل المثال، لا يمكن للمرء، طبقًا للنظرية، أن يستقبل القضية القائلة بأن “الكلاب مصنوعة من الورق” أو يفكر فيها أو يتخيلها من دون التصديق الفوري والحتمي أن الكلاب مصنوعة حقًّا من الورق (Mandelbaum, 2014)، وبشكل أكثر وضوحًا، لا يمكن للمرء أن يستقبل القالب النمطي القائل بأن “النساء سيئات في الرياضيات” أو يتخيله من دون أن يصدق بأن النساء سيئات حقًّا في الرياضات، وكما يقول ماندلبوم (Mandelbaum, 2014): إن التصديق التلقائي لأي قضية، وفقًا لنظرية تثبيت الاعتقاد الاسبينوزي، يشرح لماذا من المحتمل أن يكون لدى الناس العديد من الاعتقادات المتناقضة: لكي يرفض المرء إحدى القضايا، عليه أولاً التصديق بها [12].

تُعد نظرية تثبيت الاعتقاد الاسبينوزي بمثابة تنقيح قوي فيما يتعلق بالمفهوم العادي للمعتقد (ولكن انظر إلى وجهة نظر Helton (أدناه) للحصول على نظرة مماثلة ولكن أقل تنقيحًا) [13]. وعلى الرغم من ذلك، فإن المسار الرئيس في النقاش حول تفسير نظرية تثبيت الاعتقاد الاسبينوزي للتحيز الضمني- وكذلك حول تفسيراتها القائمة على المعتقدات بشأن الإدراك الاجتماعي الضمني بشكل عام- يركز على حقيقة أن أداء الأفراد على المقاييس الضمنية لا يستجيب في بعض الأحيان لأنواع من التدخلات القائمة على تعزيز التعلم، التي يجب أن تؤثر في العمليات و/أو الحالات الترابطية، في الوقت نفسه، يبدو أن الأداء على المقاييس الضمنية يستجيب أحيانًا لأنواع من التدخلات القائمة على المنطق والإقناع، التي يعتقد أنها تؤثر في الحالات العقائدية Doxastic (على سبيل المثال:de Houwer, 2009, 2014; Hu et al., 2017; Mann & Ferguson, 2017; Van Dessel et al., 2018;  للنقاشات الإضافية انظرMandelbaum, 2013, 2016; Gawronski et al., 2017; Brownstein et al., 2019). ومع ذلك، يجب توخي الحذر عند استخلاص استنتاجات جازمة حول البنية المعرفية من هذه البيانات السلوكية (Levy, 2015; Madva, 2016c; Byrd forthcoming; Brownstein et al., 2019)، وكما لوحظ أعلاه (الفقرة 1-2)، فإن المقاييس الضمنية ليست عملية خالصة، وإن تقنية النمذجة المستخدمة في تفكيك المساهمات السببية المتعددة في الأداء على المقاييس الضمنية قد تساعد في دفع هذه المناقشات إلى الأمام (على سبيل المثال: Conrey et al., 2005; Hütter & Sweldens, 2018).

2-4 السمات:

كما هو الحال مع مصطلحات مثل “الاتجاه” و”القضية”، فإن علماء النفس والفلاسفة يميلون إلى استخدام مصطلح “سمة” بطرق مختلفة في علم النفس، وتظل البِنيات Constructs الشبيهة بالسمات ثابتة مع مرور الزمن وعبر مختلف المواقف، فإذا كنت دائمًا تكره أكل لحم الخنزير، ولم تأكله أبدًا بغض النظر عن السياق أو الموقف، فإن مشاعرك تجاه لحم الخنزير أشبه بالسمة، إما إذا كنت ترفض تناول لحم الخنزير في بعض الأحيان، ولا تمانع تناوله في أحيان أخرى بناءً على رفقائك أو حالتك المزاجية، فمشاعرك تجاه لحم الخنزير أشبه “بالحالة”، فمن وجهة نظر علماء النفس، تشير الدلائل المهمة إلى أن التحيز الضمني أقرب إلى كونه “حالة مزاجية” من كونه “سمة”.

وقد وجد العديد من الدراسات الطولية أن درجات الأفراد على المقاييس الضمنية تتفاوت بشكل كبير بمرور الأيام والأسابيع والأشهر، أكثر بكثير من درجات الأفراد على المقاييس الصريحة (Cooley & Payne, 2017; Cunningham et al., 2001; Devine et al., 2012; Gawronski et al., 2017)، وبطبيعة الحال، تعتمد أهمية هذه النقطة على النظرية التي يتبناها المرء بشأن التحيز الضمني ، إذا كانت المقاييس الضمنية مصممة نظريًّا لالتقاط الاستجابات العاطفية العفوية (كما يقترح التقييم الارتباطي القضوي؛ في الفقرة  2-2)، فيجب التنبؤبالتغيرات السياقية والزمانية في الأداء؛ (لأنه من المرجح أن تختلف الاستجابات الفورية للشخص بشأن الصورة الذهنية عن القيادات النسائية، على سبيل المثال، بعد مشاهدة وثائقي عن القاضية روث بدر غينسبورغ، أكثر من اختلافها عقب مشاهدة الفيلم الكوميدي Clueless). ومع ذلك، إذا كانت المقاييس الضمنية وسيلة “لتشخيص” استقرار سمات الأفراد مثل الانتماء الحزبي، فإن الاختلاف المتوقع سيكون أقل بكثير، وثمة احتمال آخر يكمن في أن الخطأ في القياس يساهم بشكل كبير في عدم استقرار الدرجات على المقاييس الضمنية. كما يدعم هذه الفكرة حقيقة أن التحسينات المنهجية ساهمت في تحسين الاستقرار الزمني لأداء بعض المشاركين (على سبيل المثال: Cooley and Payne, 2017).

وفي معظم الأحيان، تستخدم كلمة “سمة” في الفلسفة في السياق المضاد لأنصار المذهب التمثيلي Anti-Representationalist ونظريات العقل النزوعية Dispositional Theories of Mind. يُعرف أنصار المذهب التمثيلي مفاهيم مثل “الاعتقاد” من منظور الهياكل التمثيلية الداخلية للعقل، بينما يُعرف أنصار النظريات النزوعية مفاهيم مثل “الاعتقاد” من حيث النزوع نحو التصرف بطرق معينة (وربما أيضا الشعور والتفكير بطرق معينة). واستنادًا إلى أعمال الفيلسوف رايل Ryle (1949/2009)، قدم شفيتزجبيل Schwitzgebel (2006/2010, 2010, 2013) النظرية النزوعية للاتجاهات (وبالمعنى الفلسفي، هي نظرية تزعم أن المعتقدات والرغبات والآمال، وما إلى ذلك، هي نزعات)، ووفقًا لوجهة نظر شفيتزجبيل Schwitzgebel، فإن الاتجاهات لها أشكال واسعة (أو “متعددة المسارات”)، بما في ذلك النزعات نحو الشعور والتفكير والتحدث بطرق محددة، ويمكن تحديد شكل النزعة نحو اتجاه معين من خلال الصورة النمطية النفسية والشعبية حول امتلاك هذا الاتجاه، وليس من خلال المعتقدات الشخصية أو ما يُطلق عليه مجازًا “صندوق الاعتقاد” الشخصي، وعلى سبيل المثال، لإثبات أن جوردان تعتقد أن من بين النساء فلاسفة بارعات، فيجب أن ينظر المرء إلى ما تقوله جوردان عن النساء الفلاسفة، وإلى أحكامها حول الفلاسفة الجيدين ومن دون المستوى، وإلى ممارساتها التطبيقية، ومشاعرها الداخلية تجاه الفلاسفة من الرجال والنساء، إلخ. يشكل الأشخاص المتحيزين ضمنيًّا تحديًا مثيرًا لاهتمام النزوعيين؛ ونظرًا لأن هؤلاء الأشخاص غالبا ما يتطابقون مع جزء واحد فقط من الصورة النمطية الشعبية والنفسية ذات الصلة، على سبيل المثال، قد تقول جوردان: إنها تعتقد أن من بين النساء فلاسفة بارعات، لكنها لم تقرأ لأي فيلسوفة (أو تذكر فرانك؛ الفقرة 1). وطبقًا لنظرية “النزوعية التدرجية Gradualist dispositionalism” لشفيتزجبيل، فإن جوردان وفرانك يصنفان على أنهما “أنصاف مؤمنين بالمعتقدات”، وهم الأشخاص المطابقون جزئيًّا للصورة النمطية الشعبية والنفسية المرتبطة بالاتجاهات قيد النظر.

يتعامل النهج القائم على السمات ذات الصلة مع نتائج المقاييس غير المباشرة على أنها انعكاسات لعناصرالاتجاهات، لا على أنها تقييم للاتجاهات أو التحيزات نفسها (Machery, 2016, 2017). ومن وجهة نظر إدوارد ماتشري Machery، فإن الاتجاهات (بالمعنى النفسي، أي التفضيلات) هي نزعات dispositions تتألف من أسس مختلفة، بما في ذلك المشاعر والترابط والدوافع السلوكية، والحالات القضوية الشبيهة “بالحالات المزاجية”. (على النقيض من شفيتزجبيل Schwitzgebel، فإن ماتشري Machery يعتنق رأي التمثيليين بشأن المعتقدات، ورأي النزوعيين بشأن الاتجاهات). وبناءً على هذا المنظور، فحتى يكون لدى الشخص اتجاه عنصري، يجب أن يكون على استعداد لإظهار مزيج من هذه الأسس، أي إظهار المشاعر والترابط، وغيرها من الأسس، التي تُشكل معًا الاتجاه، وبالتالي، يمكن القول: إن المقاييس الضمنية تلتقط أحد الأسس النفسية (مثل الترابط بين المفاهيم) للاتجاه العام لدى الشخص، وتلتقط المقاييس الصريحة للاستبانة أساسًا نفسيًّا آخر لاتجاه الشخص، بالإضافة إلى أساس آخر للمقاييس السلوكية، وما إلى ذلك، إذن، لا تقيّم المقاييس الضمنية “الاتجاهات الضمنية”، بل إن ماتشريMachery  ينكر تقسيم الاتجاهات إلى ضمنية وصريحة، وإنما تحدد القياسات الضمنية عناصر الاتجاهات، ويهدف هذا الاقتراح جزئيًّا إلى شرح بعض الخصائص النفسية الرئيسية للمقاييس الضمنية، مثل عدم استقرارها مع مرور الوقت، وحقيقة أن بعض المقاييس الضمنية يرتبط بعضها ببعض ارتباطًا ضعيفًا (الفقرة 5). ويرى ماتشري Machery أن هذه الاستنتاجات تتفق مع فكرة أن المقاييس الضمنية المختلفة تحدد الأسس النفسية المختلفة للاتجاهات.

تتمثل إحدى مزايا التفكير في التحيزات الضمنية كسمات في أنها تتسق مع الطريقة التي يسهل فيها قبول السمات الشخصية في الحالات الغامضة، تمامًا كما نقول: إن تصرف فرانك يكون مقبولاً بشكل جزئيإذا أشاد بفضائل التعاطف، ومع ذلك فإنه يعامل الغرباء أحيانًا بوقاحة، وقد نقول حينها: إن فرانك متحيز جزئيًّا، وتجسد النظريات النزوعية هذه الغريزة. ومن ناحية أخرى، تواجه نظريات التحيز الضمني القائمة على السمات تحديات طويلة الأمد من المذهب النزوعي في فلسفة العقل. ويتمثل أحد هذه التحديات في أن السمات تكون تفسيرية كأنها تعميمات، وليس كأنها أسباب رمزية للحكم والسلوك (Carruthers, 2013)، ومن ضمن التحديات الأخرى شبح الدوران داخل حلقة دائرية مفرغة نتيجة الاستخدام المتزامن لسلوك الشخص لتحديد نزوعه والإشارة إلى ما يتوقعه النزوع (Bandura, 1971; Cervone et al., 2015; Mischel, 1968; Payne et al., 2017). في كلتا الحالتين، فإن السؤال الموجه للمذهب النزوعي هو ما إذا كان يفيد حقًّا في تفسير البيانات، أو أنه مجرد إعادة تغليف الأنماط المرصودة ظاهريًّا بمصطلحات جديدة.

2-5 المواقف:

 إن طريقة التفكير الأكثر شيوعًا حول التحيّزات الضمنية هي أنها سمات للأشخاص، ومع ذلك، فهناك احتمال آخر يتمثل في أن التحيزات الضمنية هي سمات للمواقف، وعلى الرغم من أن علماء النفس كانوا يناقشون التفسيرات القائمة على أن التحيزات الضمنية سمات للشخص أو سمات للموقف على مدار تاريخ أبحاث الإدراك الاجتماعي الضمني (Payne & Gawronski, 2010; Murphy & Walton, 2013; Murphy et al., 2018) ، فقد اكتسب النهج الموقفي قوة بسبب نموذج “تحيز الجماهير” للمفكر بايني Payne وزملائه (2017). ومن خلال الاستعارة من مفهوم “حكمة الجماهير”، يشير هذا النهج إلى أن الاختلافات بين المواقف تفسر تباين الدرجات على المقاييس الضمنية، وليس الاختلافات بين الأفراد، وقد استخدم بايني Payne وزملاؤه استعارة مفيدة تتمثل في أن جماهير مباريات البيسبول تقوم بعمل حركة “الموجة”، فعندما يجلس الشخص في المدرجات، وبالتزامن مع حدوث حركة الموجة في وقت معين، من المرجح أن يتفوق الموقف الجماعي على معظم الاختلافات الفردية (كالمشاعر الضمنية، أو الصريحة حول الموجة) في التنبؤ بما إذا كان الشخص جالسًا أو واقفًا، وبالمثل، فإن ما يتنبأ بحدوث التحيز الضمني هو سمات المواقف التي يعيشها الناس لا سماتهم الشخصية، فعلى سبيل المثال، قد يُتوقع من شخص يعيش في حي منعزل للغاية أن يفوق تحيزه الضمني تجاه العرق كل التنبؤات مقارنة بالعوامل على المستوى الفردي، مثل معتقداته وشخصيته.

ويهدف نموذج تحيز الجماهير إلى تفسير خمس خصائص للتحيز الضمني والتي يصعب تفسيرها معًا، ألا وهي: (1) متوسط درجات التحيز الضمني على مستوى المجموعة قوي جدًّا ومستقر. (2) متوسط درجات التحيز الضمني للأطفال مطابق تقريبًا للبالغين. (3) المستويات الإجمالية للتحيز الضمني على مستوى السكان (مثل، المناطق، والولايات، والدول) مستقرة للغاية وترتبط ارتباطًا وثيقًا بالنتائج التمييزية والتفاوتات الجماعية. ومع ذلك؛ (4) فإن الفوارق الفردية في التحيز الضمني لها ارتباطات صغيرة إلى متوسطة ذات ترتيب صفري مع السلوك التمييزي. (5) موثوقية إجراء الاختبار الفردي وإعادة إجرائه تكون منخفضة على مدى أسابيع وشهور (انظر Payne et al, 2017 للحصول على مراجع). تتمثل إحدى المزايا الأخرى لنموذج تحيز الجماهير في أنه يندمج بشكل جيد مع الدعوات في الفلسفة للتركيز أكثر على التحيز “الهيكلي” أو “المنهجي”، بدلاً من التركيز على التحيز داخل عقول الأفراد (الفقرة 5).

ومع ذلك، فإن أحد التحديات التي تواجه نموذج تحيز الجماهير يكمن في شرح كيفية تفاعل التحيزات المنهجية مع عقول الأفراد وكيفية التأثير فيها. ويلجأ بايني Payne وزملاؤه إلى فكرة “إمكانية الوصول” إلى المفاهيم في أذهان الأفراد، ما يعني “احتمالية أن أي فكرة أو تقييم أو صورة نمطية أو سمة أو معلومة أخرى” قد تصبح نشطة وجاهزة للتأثير في السلوك، كما أنهم يزعمون أن نصيب الأسد من الأدلة يشير إلى أن المفاهيم المتعلقة بـ التحيز الضمني يتم تنشيطها لأسباب تتعلق بالموقف، وهذا قد يكون صحيحًا، لكنه لا يشرح (أ) كيف تُنشط المواقفُ المفاهيمَ في أذهان الأفراد (بايني وزملاؤه غير متأكدين بشكل واضح من شكل التمثيلات المعرفية التي تكمن وراء التحيز الضمني). و(ب) كيف تتفاعل العوامل الظرفية مع العوامل الفردية لتؤدي إلى أفعال متحيزة (Gawronski & Bodenhausen, 2017; Brownstein et al., 2019).

3- الابستمولوجيا:

يركز العمل الفلسفي في ابستمولوجيا التحيز الضمني على ثلاثة أسئلة ذات صلة  [14]. أولاً، هل لدينا معرفة بتحيزاتنا الضمنية؟ وإذا كان الأمر كذلك، فكيف نعرف ذلك؟. ثانيًا، هل تتطلب البيانات الجديدة حول التحيز الضمني أن نصبح متشككين بشأن معتقداتنا الإدراكية أو وضعنا العام؟. وثالثًا، هل نواجه معضلة بين قيمنا المعرفية والأخلاقية بسبب طبيعة انتشار التحيز الضمني؟.

3-1 معرفة الذات:

يُنظر عادةً إلى التحيز الضمني على أنه تحيز لاواعي (الفقرة 2-1-1)، ولكن ماذا يعني هذا بالضبط؟ هناك العديد من الاحتمالات: فقد لا يكون هناك ظاهرة مرتبطة بالحالات العقلية أو النزعات ذات الصلة؛ أو قد يكون الأشخاص غير واعين بمحتوى التمثيلات الكامنة وراء أدائهم على المقاييس الضمنية، أو قد يكونون غير واعين بمصدر تحيزاتهم الضمنية، أو آثار هذه التحيزات على سلوكهم؛ أو ربما يكونون غير واعين بالعلاقات بين الحالات ذات الصلة (على سبيل المثال، أن تقييماتهم الضمنية والصريحة عن شيء معين تكون في صراع)؛ وقد يكون لدى الأشخاص أنماطٌ مختلفة من الوعي بعقولهم (على سبيل المثال، “الوعي المتاح الوصول إليه” مقابل “الوعي في الحالات الاستثنائية”؛ Block, 1995). يجادل جاورونسكي  Gawronski وزملاؤه (2006) بأن الأشخاص يفتقرون عادةً إلى الوعي بـ”مصدر” تحيزاتهم الضمنية و”تأثيرها”، ومع ذلك يكون لديهم عادةً وعي بـ”محتوى” تلك التحيزات [15]، والدليل على الوعي بالمحتوى نابع من تجارب “الأنابيب الوهمية” (على سبيل المثال، Nier, 2005)، حيث يتم دفع المشاركين إلى الاعتقاد بأنه سيتم اكتشاف التقارير الذاتية غير الدقيقة من قبل المجرب، في هذه التجارب، تصبح درجات المشاركين في المقاييس الضمنية والصريحة أكثر ارتباطًا؛ مما يشير إلى أن المشاركين لديهم دراية بمحتوى تلك الأحكام المكتشفة بواسطة المقاييس الضمنية ويغيرون تقاريرهم عندما يعتقدون أن المجرب سيلاحظ تناقضات، وقد وُجدت أدلة إضافية على الوعي بالمحتوى في الدراسات التي يضع فيها المجربون مقاييس ضمنية وتقارير ذاتية في صورة اصطفاف مفاهيمي (على سبيل المثال، Banse et al.,2001)، وكذلك في الدراسات التي يُطلب فيها من المشاركين التنبؤ بتحيزاتهم الضمنية الخاصة (Hahn et al., 2014)، وفي الواقع ، وجد هان (Hahn et al., 2014) وهان وجاورونسكي (Hahn & Gawronski, 2019) أن الأشخاص يجيدون توقع درجاتهم في اختبار الترابط الضمني بغض النظر عن طريقة وضع الاختبار، ومقدار الخبرة التي اكتسبوها في إجراء الاختبار، وكمية التوضيحات المقدمة لهم قبل إجراء الاختبار، علاوة على ذلك، يمتلك الأشخاص رؤية فريدة حول توقع أدائهم في الاختبار، وهي رؤية لا تفسرها اعتقاداتهم بشأن كيف سيكون أداء الأشخاص بشكل عام.

ومع ذلك، فإن بيانات هان Hahn وزملائه لا تحدد ما إذا كان الأشخاص يدركون محتوى تحيزاتهم الضمنية من خلال الاستبطان، أو من خلال استخلاص استنتاجات من سلوكهم الخاص، أو من مصدر آخر (انظر رأي بيرجر Berger الذي سيناقش لاحقًا). هذا الأمر مهم لتحديد ما إذا كان الوعي الذي يمتلكه الأشخاص بشأن تحيزاتهم الضمنية هو ما يشكل معرفة الذات، إذا كان وعينا بمحتوى تحيزاتنا الضمنية مستمد من الاستنتاجات التي نقوم بها بناءً على سلوكنا (على سبيل المثال)، فإن السؤال المطروح هو ما إذا كانت هذه الاستنتاجات مبررة، على افتراض أن المعرفة تستلزم اعتقادًا صحيحًا مبررًا، يرى بعضهم أن الحقائق حول التحيز الضمني تبرر التشكك “العالمي” تجاه قدراتنا كأشخاص نعرف ذواتنا (Saul, 2012 2012؛ انظر الفقرة 3-2-2)، إذا كان هذا صحيحًا، فينبغي أن نقلق من أن استنتاجاتنا بشأن محتوى تحيزاتنا الضمنية، من جميع الطرق التي نتصرف بها على أساس يومي، من المحتمل أن تكون غير مبررة، ومع ذلك، يجادل بعضهم الآخر بأن الناس عادة ما يكونون مترجمين رائعين لما يدور بعقولهم (على سبيل المثال، Carruthers, 2009; Levy, 2012)، وفي هذه الحالة قد يكون من المرجح أن استنتاجاتنا بشأن محتوى تحيزاتنا الضمنية مبررة بشكل جيد، ولكن حتى لو كانت الاستنتاجات التي نتخذها بشأن أذهاننا مبررة بشكل جيد، فإن ذلك سيكون موضع نقاش إذا ثبت أن لدينا إمكانية الوصول الاستبطاني المباشر إلى تحيزاتنا.

3-2 التشكك:

ينشأ أحد أنواع القلق الشكي نتيجة البحث عن آثار التحيز الضمني على الإدراك (الفقرة 3-2-1)؛ مما يؤدي إلى القلق بشأن حالة معتقداتنا الإدراكية، في حين يركز النوع الثاني من القلق الشكي على ما قد يخبرنا به التحيز الضمني عن قدراتنا كأشخاص نعرف ذواتنا بشكل عام (الفقرة 3-2-2).

3-2-1 الاعتقاد الإدراكي:

خلال دراسة بايني (Payne, 2001) ، كان المشاركون الذين عُرضت عليهم أولاً صور للوجوه السوداء، وهم يحملون شيئًا ما، أسرع في تحديد صور البنادق على أنها بنادق وكانوا أكثر ميلاً للخطأ في تحديد صور الآلات الأخرى على أنها بنادق، وذلك مقارنة بالمشاركين الذين عُرضت عليهم أولاً صور للوجوه البيضاء، تكررت هذه النتيجة بشكل مباشر ومفاهيمي (كما في دراسة: Payne et al., 2002; Conrey et al., 2005)، وهي مثال لمجموعة أوسع من النتائج حول تأثيرات الاتجاهات والمعتقدات على الإدراك (مثل دراسة: Barrick et al., 2002; Proffitt, 2006). وإن النتائج التي توصل إليها بايني Payne مخيفة، ولا سيما في ضوء إطلاق الشرطة النار على رجال سود عُزّل في السنوات الأخيرة، مثل أمادو ديالو وأوسكار غرانت، وتشير النتائج إلى أن الارتباطات الضمنية لدى الأشخاص بين “الرجال السود” و”البنادق” قد تؤثر في حكمهم وسلوكهم من خلال التأثير فيما يرونه، وقد يكون هذا سببًا لنوع معين من القلق المعرفي، فضلاً عن الآثار الأخلاقية، وكما يقول سيغيل (Siegel, 2012, 2017 ، ودراسة ستصدر قريبًا) ، فإن القلق هو تحيز ضمني يتسبب في إدخال بنية دائرية في تكوين المعتقدات، إذا كان الشخص يعتقد أن الرجال السود هم أكثر ميلاً من الرجال البيض لامتلاك الأسلحة أو استخدامها، فإن هذا الاعتقاد يجعل الشخص أكثر استعدادًا لرؤية الأشياء الغامضة في أيدي الرجال السود على أنها أسلحة، ومن ثم فعندما يعتمد الشخص على الإدراك البصري كدليل لتأكيد معتقداته، فإنه سيدور في حلقة مفرغة.

إن الزعم بأن التحيزات الضمنية هي سبب هذا النوع من القلق المعرفي يعتمد على نوع التأثير السببي للاتجاهات الاجتماعية على الإدراك البصري، ويمكن اعتبار نتائج التحيز بشأن الأسلحة في دراسة باينيPayne على أنها حالة “اختراق إدراكي” إذا كان حمل الرجال السود للشيء قد جعل صور الآلات تبدو وكأنها صور للبنادق، عبر التأثير في الخبرة الإدراكية نفسها (Siegel, 2012, 2017 ، ودراسة ستصدر قريبًا)، وهذا من شأنه بالتأكيد إدخال حلقة دائرية في تكوين المعتقدات، كما تثير سيناريوهات أخرى إمكانية تكوين معتقدات غير مقبولة دون حدوث اختراق إدراكي حقيقي، وبالنظر فيما يسميه سيغيل “تجاوز الإدراك الحسي” : فإن حمل الرجال السود لشيء في أيديهم لا يتسبب في أن تبدو الآلات مثل البنادق (أي أن طريقة حمل الشيء لا تسبب تغييرًا في الخبرة الإدراكية)، ولكن بعض الحالات التي يشعر بها الشخص، مثل حالة القلق المرتفع، قد تتأثر بحقيقة أن رجلاً أسود يحمل شيئًا في يديه ويؤدي إلى قيام الشخص بالتصنيف الخاطئ، سيتم اعتبار ذلك كحالة لتكوين معتقد غير مقبول طالما أن الاتجاهات الاجتماعية للشخص تجعله لا يتأثر بمحفزاته البصرية بطريقة تؤكد اتجاهاته المسبقة (Siegel, 2012)، في حين توجد سيناريوهات أخرى قد تبدد القلق بشأن تكوين معتقدات غير مقبولة، وعلى سبيل المثال، فإن ما يطلق عليه سيغيل “السلوك المتبرأ منه” يقترح وجود مسار مماثل لمسار “تجاوز الإدراك الحسي” أدى إلى حدوث خطأ في التصنيف، باستثناء أن الشخص يعتبر مسبقًا أن تصرفه كان خطأً، ويمكن أن تساعد الأدلة التجريبية في فرز هذه الاحتمالات، على الرغم من أنها ربما لا تستقر على أحدها بشكل قاطع (على سبيل المثال، Correll et al., 2015).

3-2-2 التشكك العالمي:

هناك قلق واسع حول ما يؤول إليه البحث في التحيز الضمني من عدم ثقة الأشخاص في ملكاتهم الباحثة عن المعرفة بشكل عام، ويُعد “الشك المتعلق بالتحيز” (Saul, 2012) أقوى من الأشكال التقليدية للتشكك (مثل التشكك العالمي الخارجي)، بمعنى أنه يشير إلى أن أحكامنا المعرفية ليست فقط احتمالية، ولكنهاغالبـًا ما تكون خاطئة، ومن المرجح أن تؤدي التحيزات الضمنية إلى تدهور أحكامنا في العديد من المجالات، على سبيل المثال، أحكام الأساتذة بشأن درجات الطلاب، والحكم عند التقديم على المجلات، والحكم على المرشحين للوظائف [16]. علاوة على ذلك، وكما يشير فريكر (Fricker, 2007)، فمن المرجح استبعاد شهادة أعضاء المجموعات الموصومة بسبب التحيز الضمني ، الذي يمكن، وفقًا لاقتراح جينيفر شاول Saul، أن يضخم هذه الإخفاقات المعرفية إلى جانب خلق المزيد منها، مثل عدم الاعتراف بأسئلة معينة باعتبارها ذات صلة بالبحث، (Hookway, 2010)، فالنقطة الأساسية حول هذه الأمثلة هي أن أحكامنا من المحتمل أن تتأثر بالتحيزات الضمنية حتى عندما “نعتقد أننا نصدر أحكامًا ذات قيمة علمية أو جدلية” (Saul, 2012:249 ؛ انظر أيضًا دراسة Welpinghus التي ستصدر قريبًا). وعلاوة على ذلك، فإن هذه التأثيرات تعمم عبر العديد من مجالات الحياة اليومية، على عكس أخطاء المنطق الاحتمالي، وكما تقول شاول Saul، فإننا يجب أن نقلق كلما نظرنا في ادعاء أو حجة، أو اقتراح أو سؤال مطروح من شخص ينتمي إلى فئة اجتماعية واضحة يمكننا التعرف عليها. (Saul, 2012:250).

قد يتضاءل الشك المتعلق بالتحيز إن تمكنا من تطوير تدخلات ناجحة لتصحيح الأخطاء المعرفية التي يسببها التحيز الضمني ، وفي بعض الحالات، قد يكون الإصلاح بسيطًا، مثل مراجعة ملفات المرشحين للوظائف دون معرفة أسمائهم، لكن من المؤكد أن بعض السياقات الأخرى ستشكل تحديًا أكبر [17]، وبوجه أعم، فإن تفسير شاول Saul للشك المتعلق بالتحيز يتخذ موقفًا شديد التشاؤم تجاه معيارية عاداتنا غير التأملية، وكتبت شاول: “إن من الصعب رؤية كيف يمكننا أن نثق في [عاداتنا] مرة أخرى بمجرد أن نفكر في التحيز الضمني” (2012:254). ومع ذلك، شدد آخرون على الطرق التي يمكن أن يكون للعادات غير التأملية فضائل معرفية (على سبيل المثال، Arpaly,2004; Railton,2014; Brownstein & Madva, 2012a,b; Nagel, 2012; Antony, 2016). وإن التوفيق بين أسباب التشاؤم حول الوضع المعرفي لعاداتنا مع هذه التيارات الفكرية سيكون أمرًا مهمًّا في البحث المستقبلي.

3-3 المعضلات المعرفية/ الأخلاقية:

تزعم كلٌ من جيندلر (Gendler, 2011) وإيجان  (Egan, 2011) أن التحيز الضمني يخلق صراعًا بين أهدافنا الأخلاقية والمعرفية، وعلى الرغم من أن المخاوف بشأن المعضلات الأخلاقية/ المعرفية قديمة وموجودة على الأقل منذ الفيلسوف الفرنسي باسكال Pascal، كما تشير إيجان، فإن تلك المخاوف متجسدة أيضًا في الأبحاث المعاصرة حول قيمة الأوهام الإيجابية (كاعتقاد الشخص بأنه رائع، مما قد يعزز شعوره بالسعادة على الرغم من أنه اعتقاد مزيف؛ مثل: Taylor & Brown, 1988). وتنبع المعضلة المحيطة بـ التحيز الضمني من عدم قابلية تجنب التنميط، الذي تتبعته جيندلر لاكتشاف الطريقة التي يكون بها التصنيف الاجتماعي أساسيًّا لقدراتنا المعرفية [18]، وبالنسبة للأشخاص الذين يتنصلون من الصور النمطية الاجتماعية الشائعة لأسباب أخلاقية، فإن هذا يخلق تضاربًا بين ما نعرف وما نقيم، وكما قالت جيندلر:

إذا كنت تعيش في مجتمع مكون من فئات عرقية تتنصل منها، فيتوجب عليك أن تدفع التكلفة المعرفية للإخفاق في ترميز أنواع معينة من المعدل الأساسي أو المعلومات الرئيسية حول الفئات الثقافية، أو أن تنفق طاقة معرفية تنظم الارتباطات الحتمية التي تثيرها تلك المعلومات – التي تم ترميزها بطرق تضمن قابلية الوصول إليها-. (2011:37).

وينظر النوع الاجتماعي إلى المعدلات الأساسية المحظورة، على سبيل المثال، وهي تعميمات إحصائية مفيدة تستخدم المعرفة الاجتماعية الإشكالية، وإن الأشخاص الذين يُطلب منهم تحديد قيمة أقساط التأمين للأحياء الافتراضية سيقبلون المخاطر الاكتوارية كمبرر لتحديد أقساط أعلى لأحياء معينة، لكنهم لن يفعلوا ذلك إذا قيل لهم: إن الخطر الاكتواري مرتبط بالتركيبة العرقية لذلك الحي (Tetlock et al., 2000)، وهذه “الرقابة الذاتية المعرفية على أسس غير معرفية” تجعل من المستحيل على الأشخاص أن يكونوا عقلانيين “معرفيًّا”، ومنصفين “أخلاقيًّا” على حد سواء (Gendler, 2011:55,57).

أثارت إيجان (Egan, 2011) مشاكل تتعلق بالطرق البديهية لحل هذه المعضلة، واستقرت بدلاً من ذلك على فكرة أن قيمنا الأخلاقية تستحق ببساطة أن نقدم لها تضحيات معرفية، في حين أن المفكرين الآخرين كانوا وما زالوا أقل استعدادًا لقبول أن التحيز الضمني يخلق في الواقع معضلة معرفية أخلاقية لا يمكن تجنبها (Mugg, 2013; Beeghly, 2014; Madva, 2016b; Lassiter & Ballantyne, 2017; Puddifoot, 2017)، وعلى سبيل المثال، تتمثل إحدى طرق التعامل مع المعضلة في القول بأنه ليست المعرفة الاجتماعيةبحد ذاتها التي لها تكاليف، وإنما إمكانية الوصول إلى المعرفة الاجتماعية في الظروف الخاطئة لها تكاليف معرفية (Madva, 2016b)، وبالتالي، فإن حل المعضلة ليس بالتجاهل، بل بتنظيم إمكانية الوصول إلى الصور النمطية بطريقة خاصة بكل موقف، على سبيل المثال، يمكن تنظيم الوصول إلى المعرفة الاجتماعية من خلال أهداف الأشخاص وعاداتهم (Moskowitz & Li, 2011)، ويجب على القراء المهتمين بالمعضلات الأخلاقية والمعرفية بسبب التحيز الضمني أن ينظروا أيضًا في المنح الدراسية ذات الصلة بشأن “التعدي الأخلاقي” (على سبيل المثال، Basu & Schroeder, 2018; Gardiner, 2018).

4- الأخلاق:

ركزت معظم الكتابة الفلسفية في أخلاقيات التحيز الضمني على سؤالين متمايزين ومترابطين في الوقت نفسه: أولاً: هل الأشخاص مسؤولون أخلاقيًّا عن تحيزاتهم الضمنية (الفقرة 4-1)؟. ثانيًا: هل يستطيع الأشخاص تغيير تحيزاتهم الضمنية أو التحكم في آثارها على أحكامهم وسلوكهم (الفقرة 4-2)؟

4-1 المسؤولية الأخلاقية:

غالبًا ما يميز الباحثون المهتمون بالمسؤولية الأخلاقية للتحيز الضمني أمرين رئيسين مختلفين: أولاً، يميزون بين المسؤولية عن الاتجاهات والمسؤولية عن الأحكام والسلوك، ويمكن للمرء أن يتساءل: هل الأشخاص مسؤولون عن اتجاهاتهم الضمنية المفترضة على هذا النحو (الفقرة 2)، أو أنهم مسؤولون عن تأثيرات اتجاهاتهم الضمنية في أحكامهم وسلوكهم؟ وقد ركز معظم الباحثين على السؤال الأخير، وهو ما سأفعله أيضًا.

ويتمثل الأمر المهم الآخر في التمييز بين أن تكونمسؤولاً وأن تتحمل المسؤولية، ويمكن تفسير هذا التمييز من خلال عدة طرق مختلفة ولكن مترابطة، حيث يمكن أن يفسر كتمييز بين استحقاق اللوم وتعبيرات اللوم الفعلية؛ بين المسؤولية التاريخية والمستقبلية (أي المسؤولية عن الأشياء التي قام بها المرء في الماضي مقابل المسؤولية عن القيام ببعض الأشياء في المستقبل)، وبين المسؤولية كشكل من أشكال الحكم مقابل المسؤولية كشكل من أشكال العقوبة، وقد ركز معظم الباحثين على القسم الأول من هذه المفارقات (مثل كونهم مسؤولين، واستحقاق اللوم، وما إلى ذلك)، من خلال ثلاثة مداخل: الحجج المستمدة من أهمية الوعي أو المعرفة بشأن التحيزات الضمنية للشخص (الفقرة 4-1-1). والحجج المستمدة من أهمية التحكم في تأثير التحيز الضمني للشخص على حكمه وسلوكه (الفقرة 4-1-2). والحجج المستمدة من اعتبارات “العازي للأسباب Attributionist” و”الذات العميقة” (الفقرة 4-1-3، انظر Holroyd et al., 2017  لمراجعة أكثر تعمقًا لنظريات المسؤولية الأخلاقية و التحيز الضمني).

4-1-1 الحجج المستمدة من الوعي:

 إن الإدراك الواعي لتحيزاتنا الضمنية يُعد شرطًا ضروريًّا للمسؤولية الأخلاقية عن تلك التحيزات، وتعبر شاولSaul   عن الفكرة البديهية، مقترحةً أن نتخلى عن الرأي القائل بأن جميع التحيزات ضد الجماعات الموصومة تستحق اللوم؛ [لأنه] لا ينبغي لوم الأشخاص على التحيز الضمني وهم غير مدركين به تمامًا، حيث تنتج تلك التحيزات فقط من حقيقة أنهم يعيشون في ثقافة جنسية، (2013: 55, emphasis in original).

ويبدو أن ادعاء شاول Saul يتماشى مع الاتجاهات النفسية الشعبية بشأن استحقاق اللوم و التحيز الضمني ، وقد وجد كاميرون Cameron وزملاؤه (2010) أن أفراد عينة الدراسة كانوا أكثر استعدادًا بصورة كبيرة لإلقاء المسؤولية الأخلاقية على “جون” عندما وُصِف بأنه يتصرف بطرق تمييزية ضد السود على الرغم من “اعتقاده بوجوب معاملة الناس على قدم المساواة، بغض النظر عن العرق” مقارنة باستجابتهم عندما وُصِف بأنه يتصرف بطرق تمييزية على الرغم من وجود “كراهية لا واعية لديه تجاه الأميركيين من أصول إفريقية” أي أنه “غير مدرك بوجودها”.

وإذ تشير الأدلة إلى أن الناس غالبًا ما يكون لديهم وعي بتحيزاتهم الضمنية (الفقرة 3-1)، فقد يبدو أن الأشخاص العاديين مسؤولون عن تلك التحيزات استنادًا إلى الحجة المستمدة من الوعي، ومع ذلك، فإذا كان السؤال هو ما إذا كان الأشخاص يستحقون اللوم عن السلوكيات التي تتأثر بالتحيزات الضمنية (بدلاً من استحقاق اللوم بسبب وجود التحيزات نفسها)، فربما يكون الوعي بالأثر هو الأمر الأكثر أهمية (Holroyd, 2012)، ومع ذلك، فإن غياب الوعي بتأثيرات التحيز الضمني على سلوكنا قد لا يبرئ الأشخاص من المسؤولية حتى من حيث المبدأ، ويتمثل أحد الاحتمالات في أن التحيزات الضمنية تشبه الحالات المزاجية، بمعنى أن شعورك بحالة مزاجية سيئة وغير ملحوظة يمكن أن يؤدي إلى التصرف بشكل سيئ (Madva, 2018)، وهناك جدل حول ما إذا كانت تلك الحالة المزاجية غير الملحوظة هي بمثابة تبرئة من المسؤولية (على سبيل المثال، Korsgaard, 1997; Levy, 2011)، كما أن أحد الاحتمالات الأخرى يتمثل في أن الحالات المزاجية السيئة والتحيزات الضمنية جميعها تقلل من استحقاق توجيه اللوم للشخص، ولكنها لا تقوض استحقاقه اللوم بحد ذاته، ويعتمد هذا الادعاء جزئيًّا على درجة قبول المسؤولية الأخلاقية.

وعلى الرغم من ذلك، فإن إحدى مشكلات التركيز على الوعي بالأثر، كما تشير هولرويد Holroyd (2012)، تكمن في أننا قد لا نكون مدركين لأثر العديد من الحالات المعرفية على سلوكنا، وبعبارة أخرى، قد يؤدي التركيز على الوعي بالأثر إلى تشكك عالمي بشأن المسؤولية الأخلاقية، وهذا يشير إلى أن الوعي بالأثر قد لا يكون معيارًا جيدًا للتمييز بين المسؤولية عن التحيزات الضمنية والمسؤولية عن الحالات المعرفية الأخرى، بغض النظر عما إذا كان التشكك العالمي بشأن المسؤولية الأخلاقية يمكن الدفاع عنه أو لا.

الطريقة الثانية لتفكيك الحجة المستمدة من الوعي هي من خلال التركيز على ما يجب أن يعرفه الأشخاص عن التحيز الضمني ، بدلاً من التركيز على ما يعرفونه بالفعل، ويربط هذا النهج بين المسؤولية الأخلاقية والبيئة الاجتماعية والمعرفية للشخص، وعلى سبيل المثال، تجادل كيلي ورودر (Kelly & Roedder, 2008) بأن “مقيّم الإدراك Savvy Grader” مسؤول عن تعديل درجات الشخص للتعويض عن تحيزاته المحتملة؛ لأنه يجب أن يكون على دراية بالبحث عن التحيز الضمني وخاضعًا له، وبروح مماثلة، أجرت كيلي وواشنطن Washington & Kelly (2016) مقارنة بين اثنين من أتباع مذهب المساواة الافتراضية لديهما ملف نفسي متكافئ، وتبين أن الاختلاف الوحيد بينهما يكمن في أن “المدرسة القديمة في المساواة” قيمت السير الذاتية في عام 1980، في حين أن “المدرسة الحديثة في المساواة” قامت بذلك في عام 2014. وعلى الرغم من أن كلتا المدرستين لم تسمعا عن وجود التحيز الضمني ، ترى واشنطن وكيلي Washington & Kelly  أن المدرسة الحديثة في المساواة ملامة أخلاقيًّا بطريقة لا تنطبق على المدرسة القديمة،؛ وذلك لأن المدرسة الحديثة كان بإمكانها، بل وكان يجب عليها، أن تعرف عن التحيزات الضمنية المحتملة للشخص، بالنظر إلى حالات التطور في فن البحث النفسي في عام 2014م مقارنة بعام 1980م. ومحل الاستشهاد هنا هو أن تقييمات المسؤولية تتغير مع التغيرات في العوامل الاجتماعية والبيئة المعرفية.

وتتمثل الطريقة الثالثة لتفكيك الحجة المستمدة من الوعي في التركيز على الطريقة التي يتكامل بها الاتجاه أو لا يتكامل مع مجموعة متنوعة من الاتجاهات الأخرى للشخص بمجرد أن يصبح واعيًا (Levy, 2012; انظر الفقرة 2-1)، ووفقًا لوجهة النظر هذه، فإن الاتجاهات المسببة للسلوك المسؤول تتوفر لمجموعة واسعة من الأنظمة المعرفية، وعلى سبيل المثال، في تجارب التنافر المعرفي (على سبيل المثال ، Festinger, 1956)، يسند الأشخاص أسبابًا غير منطقية لأنفسهم ثم يميلون إلى التصرف وفقًا لتلك الأسباب المسندة ذاتيًّا، وطبقًا لرأي ليفي (Levy, 2012) فإن الإسناد الذاتي للأسباب في هذه الحالة له تأثير تكاملي في السلوك، وبالتالي يمكن اعتباره كضمان لنوع الأشخاص المطلوبة للمسؤولية الأخلاقية، وبشكل حاسم، عندما يكون الشخص واعيًا بالأسباب المسندة ذاتيًّا، يحدث هذا التأثير التكاملي، ويوفر هذا الرأي أساسًا للادعاء بأن الاتجاهات التي يكون الشخص مسؤولاً عنها هي تلك التي تتكامل مع السلوك عندما يصبح الشخص مدركًا لمحتواها، وبحسب ليفي فإن الاتجاهات الضمنية ليست كذلك، ويتمثل الأمر المهم أخلاقيًّا في:

أن الوعي بمحتوى اتجاهاتنا الضمنية يفشل في جعلها تتكامل مع اهتماماتنا الشخصية بالطريقة المطلوبة للمسؤولية الأخلاقية المباشرة (Levy, 2012: 9).

4-1-2 الحجج المستمدة من التحكم :

تشير حقيقة أن العمليات الضمنية غالبًا ما يتم تعريفها على النقيض من العمليات المعرفية “المتحكم بها” (الفقرة 2-2)، إلى أنها قد تؤثر على السلوك بطريقة تتجاوز القدرات الفعلية للفرد، ومما يدعم هذا التفسير حقيقة أن التحيزات الضمنية تبدو كأنها “تنتعش” ردًّا على للجهود المتعمدة لكبحها (Huebner, 2009; Follenfant & Ric, 2010)، وتشير الأبحاث المبكرة إلى أن التحيزات الضمنية مجرد انعكاس للوعي بعملية التنميط، وليست اتجاهات شخصية، كما تضمنت الأبحاث أن هذه الحالات تعكس العمليات التي “تحدث” للأشخاص، ومع ذلك، يشكك الفلاسفة بالآونة الأخيرة في تداعيات هذه البيانات وغيرها على فكرة التحكم المرتبط بالمسؤولية الأخلاقية.

وربما تكون الطريقة الأكثر شيوعًا لفهم فكرة التحكم الواردة في الأدبيات عن المسؤولية هي أنها آلية نفسية تسمح للشخص بالتصرف بشكل مختلف عما كان سيفعله عند وجود سبب كافٍ للقيام بذلك (Fischer & Ravizza, 2000)، لكن السؤال الذي يواجه هذا النوع من وجهات النظر عن التحكم المستندة إلى الاستجابة للأسباب هو ما إذا كان يجب اعتبار السلوكيات التلقائية – التي تتكشف في غياب الأسباب الصريحة – خاضعة لسيطرة الشخص أو لا، ويرى بعض الباحثين أن التلقائية والتحكم ليسا متعارضين، وتطرح كيلي وهولرويد (Holroyd & Kelly, 2016) مفهوم “التحكم البيئي”، ويقدم سوهلر وتشرشلاند (Suhler & Churchland, 2009) سردًا للتحكم اللاواعي الذي يضمن التلقائية نفسها، ولكنه يكفي ظاهريًّا لضمان المسؤولية.

وقد ميز آخرون بين التصرفات التلقائية والأتمتة (مثل: السرنمة)؛ وبهذا المعنى، يمكن استخلاص التمييز الأخلاقي ذي الصلة من حيث قدرة الأشخاص على “البرمجة المسبقة” لأفعالهم التلقائية automatic (وليس أفعالهم المؤتمتة) بواسطة الخيارات السابقة المتحكم بها (على سبيل المثال، Wigley, 2007)، كما يمكن استخلاصه من حيث قدرة الأشخاص على مراقبة أفعالهم التلقائية بصورة واعية (على سبيل المثال: Levy & Bayne, 2004)، أو قد يكون الأمر ببساطة أن الاتجاهات الضمنية المفترضة ليست تلقائية لأنها قابلة للتغيير بسهولة (مثل: Buckwalter forthcoming) [19]. في حين أن البعض الآخر لا يزال يميز بين التحكم “غير المباشر” و”المباشر” في اتجاهات الشخص أو سلوكه (على سبيل المثال: Holroyd,2012; Levy & Mandelbaum, 2014 ;Sie & Voorst Vader-Bours, 2016)، ويجادل هولرويد (Holroyd, 2012) بأن هناك العديد من الأمور التي لا نتحكم فيها بشكل مباشر وفوري، ولكننا نتحمل مسؤوليتها بشكل عام، مثل تعلم إحدى المهارات، والتحدث بلغة أجنبية، وحتى تبني بعض المعتقدات، لا يمكن امتلاك أي من هذه القدرات أو الحالات عن طريق الإرادة؛ وإنما يستغرق الحصول عليها وقتًا وجهدًا، وهذا يشير إلى أننا لا يمكن أن نتحمل المسؤولية عن الاتجاهات أو السلوكيات سوى تلك التي نتحكم بها بصورة غير مباشرة وبعيدة المدى، بالتالي، فإن السؤال هو هل بإمكان الأشخاص ممارسة سيطرة غير مباشرة وبعيدة المدى على تحيزاتهم الضمنية؟ تشير الدلائل المتزايدة إلى أننا نستطيع (الفقرة 4-2).

4-1-3 الإسناد ونظريات الذات العميقة:

تمثل نظريات “الإسناد” ونظريات الذات العميقة بشأن المسؤولية الأخلاقية بديلاً عن الحجج المستمدة من الوعي والتحكم، ووفقًا لهذه النظريات، فإن الشخص يكون مسؤولاً عن الفعل عندما يحدث بعد تفكير متعمق من الشخص نفسه، وإحدى الطرق الشائعة لتوضيح ذلك تتمثل في القول: إن مسؤولية الأفعال يتم إسنادها إلى الأشخاص بحكم التفكير المتعمق من “الذات العميقة” للشخص، حيث تمثل الذات العميقة الموقف التقييمي الأساسي للشخص (Sripada, 2016)، وعلى الرغم من وجود اختلافات كبيرة في الأدبيات حول ماهية الذات العميقة حقًّا، وكذلك ماذا يعني تفكير الذات العميقة في الاتجاه أو الفعل، فإن أصحاب نظرية الإسناد متفقون على أن الناس يمكن أن يكونوا مسؤولين أخلاقيًّا عن بعض الأفعال غير الواعية (مثل حالات “عدم الانتباه”)، أو الأفعال غير الطوعية (مثل الأفعال النابعة من ردود الفعل العاطفية القوية)، أو الأفعال المخالفة لإرادة الشخص (Frankfurt, 1971; Watson, 1975, 1996; Scanlon 1998; A. Smith 2005, 2008, 2012; Hieronymi, 2008; Sher, 2009; and H. Smith, 2011).

إن إحدى وجهات النظر المؤثرة والتي تطورت في السنوات الأخيرة هي أن الأشخاص مسؤولون فقط عن تلك التصرفات أو الاتجاهات التي تنبع أو تكون عرضة للتعديل من خلال الأحكام “التقييمية” أو “العقلانية” للشخص، وهي الأحكام التي تكون مناسبة (من حيث المبدأ) أن يُسأل الوكيل عن أسباب (مبررات) امتلاكها (Scanlon 1998; A. Smith 2005, 2008, 2012). يقترح أ. سميث A. Smith أن التحيزات الضمنية تنبع من الأحكام العقلانية نظرًا لأن:

معتقدات الشخص المعلنة صراحة لا تحسم مسألة ما يعتبره الشخص مبررًا مناسبًا. (2012: 581–582, fn 10).

ويرى نهج بديل أن مصدر “الذات العميقة” يتمثل في “اهتمامات” الشخص وليس في أحكامه العقلانية (Shoemaker, 2003, 2011; ​​Jaworska, 2007; Sripada, 2016). وعلى الرغم من أن تلك الاهتمامات قد وُصفت بطرق مختلفة، يظل ينظر إليها في هذا السياق على أنها حالات نفسية ذات خصائص نزوعية متعلقة بالدافعية والعاطفة والتقييم، ويُعد السؤال المطروح بشأن ما إذا كانت التحيزات الضمنية انعكاسية لاهتمامات الشخص أو لا، من الأسئلة مفتوحة الإجابة (Brownstein, 2016a, 2018)، ومن المحتمل أيضًا أنه حتى في الحالات التي لا يُنسب فيها التحيز الضمني إلى الذات العميقة للشخص أن يظل من المناسب تحميلالشخص مسؤولية انتهاك بعض الواجبات أو الالتزامات التي يتحملها بسبب تحيزاته الضمنية (Zheng, 2016). بالمثل، تجادل جامعة جلاسجو Glasgow (2016) في أن المسؤولية عن التحيزات الضمنية قد لا تُنسب إلى الأشخاص، وتتجلى وجهة النظر هذه فيما يتعلق بالمسؤولية عن الأفعال التي لا يتم تحميلها للأشخاص، وتدافع جامعة جلاسجوGlasgow عن هذا الرأي على أساس “التغايرية الحساسة للمحتوى Content-Sensitive Variantism”  و”التغايرية الحساسة للضرر Harm-Sensitive Variantism”، وهما وجهتا نظر تبرران إعفاء الشخص من المسؤولية  تبعًا للسمات الزائدة للفعل، مثل محتوى الفعل، أو نوع الأذى الذي يسببه، وتُعد هذه الآراء المتنوعة تنقيحا قويًّا إلى حدٍّ ما فيما يتعلق بالمفاهيم التقليدية عن المسؤولية في الأدبيات الفلسفية خلال القرن العشرين، ويرى بعضهم أن الأبحاث حول التحيز الضمني تتطلب مراجعة من هذا النوع (Vargas, 2005; Faucher, 2016).

4-2 التدخلات:

قد يكون الباحثون العاملون في مجال الأخلاقيات التطبيقية أقل اهتمامًا من حيث المبدأ بالأسئلة حول اللوم، وأكثر اهتمامًا بالبحث في كيفية تغيير تحيزاتنا الضمنية أو التحكم بها، ومما لا شك فيه أن أي شخص ملتزم بمكافحة التحيز والتمييز من المرجح أن يشاركهم هذا الاهتمام، وقد يكون صانعو السياسات ومديرو أماكن العمل معنيين أيضًا بإيجاد تدخلات فعالة، بالنظر إلى أنهم يوجهون بالفعل موارد هائلة من القطاعين العام والخاص نحو برامج مكافحة التمييز في أماكن العمل والجامعات والمجالات الأخرى المتضررة من الصراع بين المجموعات، ومع ذلك، وكما يشير بالوك وغرين (Paluck and Green, 2009)، فإن فعالية العديد من الاستراتيجيات شائعة الاستخدام تظل غير واضحة، كما أن معظم الدراسات حول الحد من التحيز هي دراسات غير تجريبية (تفتقر إلى الفحص العشوائي)، ويتم إجراؤها بدون مجموعات تحكم، وتركز على استبانات التقرير الذاتي، وتجميع البيانات النوعية (بدلاً من الكمية) بشكل أساسي.

وعلى الرغم من ذلك، تشير مجموعة ناشئة من الأبحاث المختبرية إلى وجود استراتيجيات متاحة لأجل تنظيم التحيزات الضمنية، وإن إحدى الطرق لتصنيف هذه الاستراتيجيات هي من حيث كونها تهدف إلى تغيير الارتباطات الظاهرة والكامنة وراء التحيزات الضمنية للأشخاص، مقارنة بالطرق التي تهدف إلى ترك الارتباطات الضمنية دون تغيير، لكنها تمكن الأشخاص من التحكم في آثار تحيزاتهم على حكمهم وسلوكهم (Stewart & Payne, 2008; Mendoza et al., 2010; Lai et al., 2013)، وعلى سبيل المثال، قد تؤدي إحدى الاستراتيجيات “القائمة على التغيير” إلى تقليل الارتباطات التلقائية للأفراد التي تربط بين “اللون الأبيض” وصفة “جيد”، في حين أن الاستراتيجية “القائمة على التحكم” قد تمكّن الأفراد من منع هذا الارتباط من التأثير على سلوكهم، وقد وصفت أدناه بعض هذه التدخلات بإيجاز، ولمقارنة البيانات حول فعالية تلك التدخلات، راجع دراسة لايLai  وزملائه (2014 ، 2016)، ولمناقشة أهميتها بالنسبة لنظريات الميتافيزيقيا للتحيز الضمني، بما يشمل ملحقًا مفيدًا يسرد تجارب “تقليل التحيز”، انظر دراسة بيردByrd   (ستصدر قريبًا).

4-2-1 التدخلات القائمة على التغيير:

التواصل بين المجموعات (Aberson et al., 2008; Dasgupta & Rivera, 2008; Anderson, 2010 للمناقشة) : بعد دراسة طويلة لتأثيراته على التحيز الصريح (على سبيل المثال، Allport 1954 ؛ Pettigrew & Tropp 2006)، يبدو أن التفاعل بين أعضاء الفئات الاجتماعية المختلفة يقلل أيضًا من التحيز الضمني ، وإن كان ذلك يحدث في ظل بعض الظروف المعتدلة (على سبيل المثال، التفاعل القائم على تكافؤ الحالة) وليس في ظل ظروف أخرى.

والتدريب على النهج (Kawakami et al., 2007, 2008; Phills et al., 2011) : يقوم المشاركون مرارًا وتكرارًا “بنفي” القوالب النمطية و”تأكيد” الصور النمطية المضادة عن طريق الضغط على زر “لا” عندما يرون صورًا متسقة مع الصورة النمطية (على سبيل المثال، وجه أسود مقترن بكلمة “رياضي”)، أو الضغط على زر “نعم” عندما يرون صورًا غير متسقة مع الصورة النمطية (على سبيل المثال، وجه أبيض مقترن بكلمة “رياضي”). كما أن بعض السيناريوهات التجريبية الأخرى قد دفعت المشاركين إلى إبعاد عصا التحكم بعيدًا عن أنفسهم من أجل “نفي” القوالب النمطية وسحب عصا التحكم تجاه أنفسهم “لتأكيد” الصور النمطية المضادة.

التكيف التقييمي (Olson & Fazio, 2006; De Houwer, 2011) : تقنية مستخدمة على نطاق واسع يتم من خلالها إقران الاتجاه عن شيء ما (على سبيل المثال، صورة لوجه أسود) مع اتجاه متكافئ آخر (على سبيل المثال، كلمة “عبقرية”) ، والتي تغير تكافؤ الشيء الأول نحو اتجاه الشيء الثاني.

التعرض للقوالب النمطية المضادة (Blair et al. 2001; Dasgupta & Greenwald 2001): زيادة تعرض الأفراد للصور أو مقاطع الأفلام أو حتى الصور الذهنية التي تصور أعضاء المجموعات الموصومة وهم يتصرفون بطرق مخالفة للقوالب النمطية (على سبيل المثال، عرض صور لنساء عالمات) .

4-2-2 التدخلات القائمة على التحكم:

نوايا التنفيذ (Gollwitzer & Sheeran, 2006; Stewart & Payne, 2008; Mendoza et al., 2010; Webb et al., 2012) : هي خطط “إذا- إذن” التي تحدد الاستجابة الموجهة نحو الهدف والتي يخطط الفرد لتنفيذها عند مواجهة إشارة متوقعة، فعلى سبيل المثال، في اختبار “مطلق النار المنحاز” حيث يتم وضع هدف المشاركين يتمثل في “إطلاق النار” على جميع الأشخاص الذين يظهرون وهم يحملون أسلحة في محاكاة حاسوبية، قد يُطلب من المشاركين اعتماد الخطة “إذا رأيتُ وجهًا أسودَ، حينئذ سأفكر بأنه “غير مسلح!” [20].

و”إشارات التحكم” (Monteith 1993; Monteith et al. 2002) : هي تقنيات لملاحظة الاستجابات المتحيزة، ولا سيما الانزعاج العاطفي الناجم عن تناقض تلك الاستجابات مع أهداف المساواة لدى المشاركين.

تهيئة الأهداف والحالات المزاجية والدوافع(Huntsinger et al. 2010; Moskowitz & Li 2011; Mann & Kawakami 2012): يمكن أن تؤدي تهيئة أهداف المساواة أو الأيديولوجيات متعددة الثقافات أو حالات مزاجية معينة إلى خفض درجات التحيز على المقاييس الضمنية.

هناك بعض الشكوك حول هذه الطريقة لتصنيف التدخلات، حيث إن بعض التدخلات القائمة على التحكم قد تغير أيضًا الارتباطات الضمنية لدى الأشخاص، كما أن بعض التدخلات القائمة على الارتباط قد تؤدي أيضًا إلى تعزيز التحكم (Stewart & Payne, 2008; Mendoza et al., 2010)، والأهم من ذلك هو المخاوف بشأن فعالية هذه التدخلات بمرور الوقت (Lai et al., 2016)، وجدواها العملية (Bargh, 1999; Schneider, 2004)، واحتمالية أنها قد تصرف الانتباه عن المشكلات الأوسع نطاقًا لأشكال الظلم الاقتصادي والمؤسسي (Anderson 2010; Dixon et al. 2012؛ انظر فقرة 5).

وإن معظم الأبحاث عن مثل هذه التدخلات حديثة بالطبع؛ لذا ليس من الواضح حتى الآن أي تلك الاستراتيجيات أو مجموعة من الاستراتيجيات (Devine et al., 2012)، ستكون فعالة أو غير فعالة، وقد أعرب بعض الباحثين عن تفاؤلهم بشأن الدور الذي يمكن أن تلعبه التدخلات المخبرية مثل هذه، بوصفها عناصر من ضمن جهود أوسع لمكافحة التحيز والتمييز (على سبيل المثال، Kelly et al., 2010a; Madva, 2017).

5- الردود النقدية:

تعرضت الأبحاث حول التحيز الضمني إلى النقد بعدة طرق، وفيما يلي وصف موجز ومناقشة حول أبرز الانتقادات [21]، وقد تركتُ جانبًا التقييماتِ النقديةَ لمقاييس ضمنية محددة.

5-1 المبالغة:

حظي البحث العلمي عن التحيز الضمني باهتمام كبير، ليس فقط في الفلسفة وعلم النفس، ولكن أيضًا في السياسة والصحافة، والقضاء والأعمال التجارية والطب؛ وقد أعرب بعض الباحثين عن قلقهم من أن هذا الاهتمام أصبح مفرطًا، بحيث جرتِ المبالغةُ في القوة التفسيرية للأبحاث حول التحيز الضمني (على سبيل المثال: Singal 2017; Jussim 2018 (Other Internet Resources); Blanton & Ikizer 2019).

وعلى الرغم من أن صعوبة التواصل العلمي مع الجمهور أصبحت منتشرة (أي أنها لا تقتصر على أبحاث التحيز الضمني)، ويتم العثور على الحالات الأكثر فظاعة في الصحافة الشعبية، فمن الصحيح القول: إن بعض الباحثين قد بالغوا في أهمية التحيز الضمني لشرح الظواهر الاجتماعية، ويمكن أن يكون للمبالغة عواقب وخيمة، مثل خلق حالة عامة من عدم الثقة في العلم، بيد أن إحدى النقاط المهمة التي يجب وضعها في الاعتبار هي أن التحديات التي تواجه التواصل العلمي مختلفة عن التحديات التي تواجه البحث العلمي، وبالتالي، فإن أحد الأسئلة المطروحة هو عما إذا كان العلم قويًّا أو لا، وهو سؤال منفصل عما إذا كانت قوة العلم، بوضعها الحالي، يتم توصيلها بدقة إلى الجمهور أو لا، وإن الإفراط في البحث قد يخلق حوافز للعلماء للقيام بعمل ملفت للنظر، ولكنه ضعيف – وهذه مشكلة – لكنَّ مشاكل المبالغة تختلف عن مشاكل العلم نفسه.

5-2 الضمني مقابل الصريح:

جادل البعض في أن التحيز الصريح يمكن أن يفسر الكثير مما يزعم التحيز الضمني تفسيره (مثل: Hermanson 2017a,b, 2018 (Other Internet Resources); Singal 2017; Buckwalter 2018)، فعلى سبيل المثال، يرفض جيسي سينغال (Jesse Singal, 2017) ما يقال عن أن التحيز الضمني أكثر أهمية من التحيز الصريح، مشيرًا إلى النتائج التي توصلت إليها وزارة العدل الأمريكية حول التمييز المتعمد على أساس العرق في مدينة فيرجسون بولاية ميزوري، وإلى حقيقة أن الولايات المتحدة انتخبت في عام 2016م رئيسًا يتسم بالعنصرية الصريحة نوعًا ما.

ومن المؤكد أن سينغال Singal وآخرين محقون في أن التحيز الصريح والتعصب التام مستمران، بل إنهما منتشران في بعض الأماكن، ومع ذلك، من غير الواضح أيهم يعتقد أن التحيز الضمني أكثر أهمية من التحيز الصريح، إذا كان هناك فعلاً من يعتقد ذلك، وينصبّ اهتمام الفلاسفة نحو التحيز الضمني بشكل خاص؛ لأنه وعلى الرغم من استمرار التحيز الصريح وانتشاره، فهناك العديد من الناس – من المفترض أن الكثير ممن يقرؤون هذه المقالة منهم – يهدفون إلى التفكير والتصرف بطرق غير متحيزة، ومع ذلك فهم عرضة لأنواع من السلوك المنحاز، الذي درسه باحثو التحيز الضمني ، وإن أهمية هذه الظاهرة لا تقتصر فقط على أهميتها في حد ذاتها، ولكنها قد تساهم أيضًا بشكل سببي في الرضا السائد عن حالات التعصب الفظيعة التي يناقشها سينغالSingal . وقد يساهم التحيز الضمني أيضًا بشكل سببي في التحيز الصريح، خاصة في البيئات المليئة بالمعايير المتحيزة (Madva, 2019).

ويتمثل أحد مصادر القلق الأخرى ذات الصلة في عدم وجود اتفاق في الأدبيات حول معنى “الضمني”. ويمكن القول: إن الفهم الأكثر شيوعًا هو أن كلمة “ضمني” تعني “اللاوعي”، لكن كل ما يتم تقييمه من خلال المقاييس الضمنية يمكن القول: إنه ليس من اللاوعي (الفقرة 3-1).

صحيح أنه لا يوجد اتفاق واسع النطاق حول معنى “ضمني”، وصحيح أيضًا أنه لا توجد نظرية للإدراك الاجتماعي الضمني تتسق مع جميع البيانات الحالية، وتعتمد درجة اعتبار هذا الأمر كمشكلة على النظريات الأساسية حول كيفية تقدم العلم، من المهم أيضًا إدراك أن المقاييس الضمنية ليست تقييمات عالية الدقة لأي “جزء” مميز من العقل، فهي ليست عملية خالصة (الفقرة 2-1)، وهذا يعني أنها تمزج بين العمليات المعرفية والوجدانية المختلفة، ويشمل هذا المزيج معتقدات الناس واتجاهاتهم الصريحة، وفي الواقع، لقد أدرك الباحثون لبعض الوقت أن أفضل طريقة للتنبؤ بدرجات الشخص على مقياس ضمني مثل اختبار الترابط الضمني هي أن تسألهم عن آرائهم حول أهداف الاختبار، ولكن هذا لا يعني أن المقاييس الضمنية تفتقر إلى “الصلاحية التمييزية” (أي أنها زائدة عن الحاجة بالنسبة للمقاييس الموجودة)، فقياسا على ذلك، من المرجح أن تجد أن الأشخاص الذين يقولون: إن الكزبرة مقززة لديهم ردود فعل نافرة منها، ولكن هذا لا يعني أن ردود أفعالهم النافرة تلك هي بِنْية غير صالحة.

وبالفعل، فإن إحدى النظريات الرائدة لديناميكيات وعمليات الإدراك الاجتماعي الضمني منذ عام 2006 – ألا وهي التقييم الارتباطي القضوي (فقرة 2-2) – تستند إلى مجموعة من التنبؤات حول عدم نقاء هذه العملية (أي حول التفاعلات بين عمليات التقييم الضمنية والصريحة).

5-3 توقع السلوك:

وجدت العديد من التحليلات البعدية، وفقًا للمعايير المتفق عليها، أن الارتباط بين المقاييس الضمنية والسلوك هو ضعيف إلى متوسط، حيث يتراوح متوسط الارتباطات بين 14٪ و37٪ تقريبًا (Cameron et al. 2012; Greenwald et al. 2009; Oswald et al. 2013; Kurdi et al. 2019). ويعزى هذا التنوع إلى عدة عوامل، بما في ذلك نوع المقاييس، ونوع الاتجاهات المقيسة (على سبيل المثال، الاتجاهات بشكل عام مقابل الاتجاهات بين المجموعات على وجه الخصوص)، ومعايير التضمين للتحليلات البعدية وتقنياتها الإحصائية، استنادًا إلى هذه البيانات، خلص النقاد إلى أن المقاييس الضمنية هي تنبؤات ضعيفة للسلوك، وقد كتب أوسوالد Oswald  وزملاؤه: “إن اختبار الترابط الضمني لا يقدم سوى لمحة بسيطة عمن سيمارس التمييز ضد من، ولا يوفر رؤية أكبر مما تقدمها المقاييس الصريحة للتحيز” (2013,18)، وبالتركيز على أبحاث التحيز الضمني بشكل أوسع نطاقًا، يشير باك والتر Buckwalter إلى أن مراجعة الأدلة “تلقي بظلال من الشك على الادعاء بأن الاتجاهات الضمنية ستكون أسبابًا مهمة للسلوك” (2018,11).

ويجب النظر في العديد من الأسئلة الأساسية لتقييم هذه الادعاءات؛ هل من المتوقع أن يكون للمقاييس الضمنية ارتباطات غير مشروطة (أو “ذات ترتيب صفري”) مع السلوك، سواء كانت صغيرة أو متوسطة أو كبيرة؟ إن الارتباطات ذات الترتيب الصفري هي تلك التي تحصل بين متغيرين عندما لا يُتحكم في أي متغير إضافي. ومنذ سبعينيات القرن الماضي لوحظ أن الأبحاث حول الاتجاهات القائمة على الإقرار الذاتي (الاستبانة والمقابلة) قد ركزت بشكل كبير على متى تتنبأ الاتجاهات بالسلوك -تحت أي ظرف- وليس ما إذا كانت الاتجاهات تتنبأ بالسلوك على هذا النحو، على سبيل المثال، تتنبأ الاتجاهات بشكل أفضل بالسلوك عندما يكون هناك تطابق واضح بين اتجاه الشخص والسلوك محل البحث (Ajzen & Fishbein,1977)، ففي حين أن الاتجاهات العامة تجاه البيئة لا تتنبأ جيدًا بسلوك إعادة التدوير، فإن اتجاهات معينة نحو إعادة التدوير تفعل ذلك (Oskamp et al.,1991). وقد ظهر إجماع في السبعينيات والثمانينيات، على أن علاقة الاتجاه بالسلوك تعتمد بشكل عام على السلوك المحدد الذي يتم قياسه (على سبيل المثال، الأحكام السياسية مقابل الأحكام العنصرية)، والظروف التي يحدث  فيها السلوك (على سبيل المثال، حدوثه تحت ضغط الوقت أو لا) ، والشخص الذي يؤدي السلوك (مثل شخصيته؛ Zanna & Fazio,1982). إن الكثير من النماذج النظرية لعلاقات الاتجاه بالسلوك تأخذ هذه الحقائق بعين الاعتبار لوضع تنبؤات مبدئية حول متى تتنبأ الاتجاهات بالسلوك ومتى لا تتنبأ به (على سبيل المثال: Fazio, 1990). ويجري حاليًّا تنفيذ عمل مماثل يركز على الإدراك الاجتماعي الضمني (للمراجعة انظر:Gawronski & Hahn, 2019; Brownstein et al., ms).

وفي سياق متصل، من المهم أيضًا أن نأخذ في الاعتبار أنه نادرًا ما توجد ارتباطات كبيرة ذات ترتيب صفري في العلوم الاجتماعية، ناهيك عن وجودها في الأبحاث حول الاتجاهات، ولا ينبغي أيضًا توقع وجود ارتباطات صفرية كبيرة في أبحاث التحيز الضمني (Gawronski، ستصدر قريبًا)، وفي الواقع، إن الارتباطات الصفرية بين البنيات الأخرى المألوفة ونتائج المقاييس قابلة للمقارنة مع ما تم العثور عليه في التحليلات البعدية للمقاييس الضمنية: المعتقدات والقوالب النمطية حول المجموعات الخارجية والسلوك (نسبة الارتباط 12٪ : Talaska et al., 2008)، ومعدل الذكاء والدخل (نسبة الارتباط تتراوح بين 20٪ إلى 30٪ : Strenze, 2007)، درجات اختبار SAT (اختبار أساسي للالتحاق بالجامعات الأمريكية) ودرجات الطلاب المستجدين في الكلية (نسبة الارتباط 24٪: Wolfe and Johnson, 1995)، الوضع الاجتماعي والاقتصادي للوالدين وأطفالهم (نسبة الارتباط تتراوح بين 20٪ إلى 30٪ : Strenze, 2007)، وإن حقيقة عدم وجود تحليلات بعدية للمقاييس الضمنية قد أشار إلى ارتباطات غير مهمة قريبة من الصفر أو ارتباطات سلبية مع السلوك، مما يدعم كذلك الاستنتاج القائل: إن العلاقة بين التحيز والسلوك الضمني تقع ضمن “منطقة” العلاقة بين هذه البنيات المألوفة بشكل أكبر وأنواع السلوك ذات الصلة، ويبقى السؤال المهم والمفتوح هو عما إذا كان هذا النمط الشائع من النتائج في العلوم الاجتماعية – من العلاقات غير المشروطة الضعيفة إلى المعتدلة مع السلوك – مفيد لمؤيدي أبحاث التحيز الضمني ، أو أنه يسبب المخاوف بشأن العلوم الاجتماعية بشكل عام؟ (انظر، على سبيل المثال: Greenwald et al. 2015; Oswald et al. 2015; Jost 2019; Gawronski forthcoming) [22]، ولكن لاحظ أن النتيجة المتسقة للتحليلات البعدية للمقاييس الضمنية تميز هذه المجموعة من الأبحاث عن تلك الأبحاث التي اكتسحتها “أزمة التكرار والتماثل” المستمرة في العلوم الاجتماعية، حيث إن إظهار الناس، في المتوسط، للتحيزات على المقاييس الضمنية يعدُّ أحد أكثر النتائج استقرارًا وتكرارًا في العلوم النفسية الحديثة [23]، إذن، فإن النقاش الموصوف في هذا القسم يتعلق بتفسير أهمية هذه النتيجة.

5-4 البنيوية:

يجادل ما يسمى بالنقاد “البنيويين” (على سبيل المثال: Banks & Ford 2009; Anderson 2010; Haslanger 2015; Ayala 2016, 2018; Mallon ms) أنه يجب على الباحثين إيلاء المزيد من الاهتمام للأسباب المنهجية والمؤسسية للظلم – مثل الفقر، والتمييز السكني، وعدم المساواة الاقتصادية، وما إلى ذلك – بدلاً من التركيز على التحيزات داخل عقول الأفراد، وإحدى الطرق للتعبير عن الفكرة البنيوية هي أن ما يحدث في أذهان الأفراد، بما في ذلك تحيزاتهم، هو نتاج أوجه الظلم الاجتماعي وليس تفسيرًا لها، وبالتالي، يميل البنيويون إلى القول بأن جهودنا لمكافحة التمييز وعدم المساواة يجب أن تركز على تغيير الهياكل الاجتماعية نفسها، بدلاً من محاولة تغيير التحيزات الفردية بشكل مباشر، وعلى سبيل المثال، يرى أيالا  Ayala أن “الحالات العقلية للأشخاص [ليست] … ضرورية للفهم والتفسير” عند النظر في الظلم الاجتماعي (2016,9). وبالمثل، تنتقد أندرسون (Anderson, 2010) ما تعتبره تركيزًا مشتتًا على سيكولوجية التحيز، وذلك في دعوتها لمكافحة الفصل العنصري في الولايات المتحدة المعاصرة.

ومن الصعب الدفاع عن النسخة المتطرفة من النقد البنيوي، التي ترى أن البحث في سيكولوجية التحيز عديم الفائدة تمامًا، أو مشتت، أو حتى خطير، وتوضح البحوث الديموغرافية واسعة النطاق أن التحيز النفسي هو المحرك الرئيس (على سبيل المثال)؛ لعدم المساواة الاقتصادية (Chetty et al., 2018)، وعدم المساواة في نظام العدالة الجنائية (مركز العدالة الشرطية، 2016). وعلى نطاق أوسع، وبغض النظر عن كيفية عمل بعض الهياكل الاجتماعية بشكل مستقل، يجب على الناس اختيار قبول هذه الهياكل أو رفضها، والتصويت للسياسيين الذين يتحدثون لصالحها أو ضدها، وما إلى ذلك، حيث إن كيفية تقييم الناس لهذه الخيارات هو على الأقل سؤال نفسي نوعًا ما.

أما النسخة الأقل حدة من النقد البنيوي فتدعو إلى ضرورة الاهتمام بالطرق التي تتفاعل بها الظواهر النفسية والبنيوية لإنتاج وترسيخ التمييز وعدم المساواة، وتسعى هذه “التفاعلية” إلى فهم كيفية عمل التحيز بشكل مختلف في سياقات مختلفة، فإذا كنت ترغب في مكافحة التمييز السكني، على سبيل المثال، فأنت بحاجة إلى ألاَّ يقتصر تفكيرك على المشاكل المتعلقة بالممارسات المؤسسية، مثل “إعادة ترميم” أحياء معينة لن تقدم لها البنوك قروض الرهن العقاري، وألاَّ يقتصر أيضًا على العوامل النفسية، مثل الميل إلى تصور أن أصحاب الدخل المنخفض غير جديرين بالثقة، وإنما أن تفكر بطريقة تفاعلية بين كلا الأمرين، وقد لا يُنظر إلى النساء من أصحاب الدخل المنخفض في الأحياء الممنوع عنها القروض على أنهن غير جديرات بالثقة عند إجراء مقابلة لوظيفة جليسة أطفال، ولكن قد يُنظر إليهن على أنهن غير جديرات بالثقة عند إجراء مقابلة للحصول على قرض. إن تبني الرأي القائل بأن التحيز والبنية يتفاعلان لتحقيق نتائج غير متكافئة لا يعني أنه يجب على الباحثين دائمًا أخذهما معًا في الاعتبار، ففي بعض الأحيان يكون من المنطقي التأكيد على أحد السببين فقط.

يمكن للنسخة التفاعلية من البنيوية أن تُدرج البحث حول التحيز داخل إطار أوسع لفهم عدم المساواة، بدلاً من تعمد تجنبه، تتمثل إحدى الوسائل للقيام بذلك في تحديد الطرق التي قد يكون بها التحيز النفسي (سواء كان ضمنيًّا أو صريحًا) مساهمًا رئيسيًّا في الظواهر الاجتماعية البنيوية، فعلى سبيل المثال، يشير البنيويون في بعض الأحيان إلى قوانين المخدرات والمبادئ التوجيهية لإصدار الأحكام التي تسهم في الحبس الجماعي للرجال السود في الولايات المتحدة كأمثلة على التحيزات النظامية، ولكن في بعض الأحيان يستمر التمييز حتى عندما تتغير تلك القوانين والسياسات، وعلى الرغم من انخفاض عمليات الاعتقال لجميع الجماعات العرقية في الولايات التي قامت بتجريم الماريجوانا، يستمر اعتقال الأشخاص السود بتهمة ارتكاب جرائم تتعلق بالماريجوانا بمعدل حوالي 10 أضعاف الأشخاص البيض (Drug Policy Alliance, 2018)، وهذا يشير إلى أن التحيزات النفسية (لدى الضباط، أو صانعي السياسات، أو الناخبين) هي جزء لا يتجزأ من عدم المساواة المنهجية، كما أن تلك التفاعلية هي مجرد نهج واحد للتداخل بين النهج الفردي والمؤسسي للتمييز بين المجموعات ( انظر مثلاً:Madva, 2016a, 2017; Davidson & Kelly  يصدر قريبًا). وتتمثل إحدى الأفكار الأخرى في إدراج الأبحاث عن التحيز الضمني تحديدًا داخل إطار أوسع لفهم المصادر الهيكلية لعدم المساواة، وذلك باستخدام مقاييس ضمنية لتقييم الأنماط الاجتماعية الواسعة (بدلاً من تقييم الاختلافات بين الأفراد). يشير نموذج “تحيز الجمهور” (الفقرة 2-5) إلى أن التحيز الضمني هو سمة من سمات الثقافات والمجتمعات، وعلى سبيل المثال، يتنبأ متوسط ​​الدرجات على المقاييس الضمنية للتحيز والقوالب النمطية، عندما يتم تجميعها على مستوى المدن داخل الولايات المتحدة، بالفوارق العرقية في إطلاق النار على المواطنين من قبل الشرطة في تلك المدن (Hehman et al., 2017). إذن، فعلى الرغم من صحة القول بأن معظم الأدبيات والمناقشات ذات الصلة تصور التحيز الضمني كوسيلة للتمييز بين الأفراد، فإن البنيويين يستخدمون البيانات للتمييز بين المناطق والثقافات وما إلى ذلك.

6- الأبحاث المستقبلية:

يقترح نوزيك Nosek  وزملاؤه (2011) أن الجيل الثاني من الأبحاث حول الإدراك الاجتماعي الضمني سيُعرف باسم “عصر الآلية”، حيث تندرج العديد من الأسئلة الميتافيزيقية تحت هذا التصنيف، من بينها سؤال حاسم موجه لميتافيزيقا التحيز الضمني حول ما إذا كان ينبغي التفكير في البُنى (التراكيب) النفسية ذات الصلة كخصائص مستقرة شبيهة بالسمات في هوية الشخص أو كخصائص مؤقتة شبيهة بالحالة المزاجية لعقليته أو حالته الحالية (الفقرة 2-4)، وفي الوقت الذي تشير فيه البيانات الحالية إلى أن التحيزات الضمنية تشبه الحالة المزاجية أكثر مما تشبه السمة، فإن التحسينات المنهجية قد تولد نتائج أكثر نزوعية واستقرارًا على المقاييس الضمنية، كما أن البحث المستمر بشأن الخصائص النفسية الإضافية للمقاييس الضمنية – مثل صلاحيتها التمييزية وقدرتها على التنبؤ بالسلوك- سيعزز أيضًا من الدعم المقدم إلى بعض نظريات الميتافيزيقيا للتحيز الضمني ويضعف الدعم المقدم إلى النظريات الأخرى، ويدور أحد الأسئلة الميتافيزيقية الأخرى مفتوحة الإجابة حول ما إذا كانت الآليات الكامنة وراء أشكال مختلفة من التحيز الضمني (على سبيل المثال، التحيزات العنصرية الضمنية مقابل التحيزات الجنسانية الضمنية) متغايرة أو لا، وقد بدأ بعض الباحثين بالفعل في تقسيم الاتجاهات الاجتماعية الضمنية إلى أنواع (Amodio & Devine 2006; Holroyd & Sweetman 2016; Del Pinal et al. 2017; Del Pinal & Spaulding 2018; Madva & Brownstein 2018)، كما أن الأبحاث المستقبلية حول التحيز الضمني في مجالات معينة من الحياة الاجتماعية قد تساعد أيضًا على إلقاء الضوء على هذه المسألة، مثل الأبحاث حول التحيز الضمني في الممارسات القانونية (مثل:  Lane et al., 2007; Kang, 2009) وفي الطب (مثل: Green et al., 2007; Penner et al., 2010)، وحول تطور التحيز الضمني في الأطفال (مثل: Dunham et al., 2013b)، وحول التحيز الضمني بين المجموعات تجاه الأقليات العرقية من غير ذوي البشرة السمراء، مثل ذوي الأصول الآسيوية واللاتينية (Dasgupta, 2004)، وكذلك الأبحاث عبر الثقافية حول التحيز الضمني في البلدان غير الغربية (مثل:  Dunham et al., 2013a).

وقد تتناول الأبحاث المستقبلية حول نظرية المعرفة (الابستمولوجيا)  والتحيز الضمني عددًا من الأسئلة، على سبيل المثال: هل شهادة علماء النفس الاجتماعي ومتخصصي علم نفس الشخصية حول النظام الإحصائي تبرر الاعتقاد بأنك متحيز؟ ما الذي قد تخبرنا به التطورات في رؤية العلم عن تكوين المعتقدات غير المقبولة بسبب التحيز الضمني؟ ما الطرق التي يمكن بها تصوير التحيز الضمني ومناقشته خارج الأوساط الأكاديمية (على سبيل المثال، الكوميديا الارتجالية​​ التي تركز على الاتجاهات الاجتماعية)؟ كما توجد أيضًا مسائل منهجية مستقبلية وثيقة الصلة بالموضوع، مثل كيفية تفاعل الأبحاث حول الإدراك الاجتماعي الضمني مع الدراسات الاجتماعية الارتباطية واسعة النطاق حول الاتجاهات والتمييز الاجتماعي (Lee, 2016)، ويدور أحد الأسئلة المنهجية الحاسمة حول ما إذا كان يمكن (وكيف يمكن) دمج نظريات التحيز الضمني – والنُّهُج النفسية بشكل عام لفهم الظواهر الاجتماعية – مع النظريات الاجتماعية الأوسع التي تركز على العرق والجنس والطبقة الاجتماعية والإعاقة، وما إلى ذلك، وقد بدأت بالفعل النقاشات المهمة (مثل: Valian, 2005; Kelly & Roedder, 2008; Faucher & Machery, 2009; Anderson, 2010; Machery et al., 2010; Madva, 2017)، ولكن ليس هناك شك في أنه يجب جذب المزيد من الروابط تجاه الأبحاث ذات الصلة بالهوية (مثل:  Appiah, 2005)، والنظرية النقدية (مثل: Delgado & Stefancic, 2012)، ونظرية المعرفة النسوية (Grasswick, 2013) ، والنظرية العرقية والسياسية (مثل: Mills, 1999).

وكما هو الحال مع جميع الأسئلة السابقة، فإن الأسئلة المطروحة في الأخلاقيات النظرية بشأن المسؤولية الأخلاقية للتحيز الضمني ستتأثر بالتأكيد بالبحث التجريبي المستقبلي، كما أن أحد الجوانب الجديرة بالملاحظة حول الأخلاقيات النظرية في البحث التجريبي القادم سيركز على التأثيرات الشخصية للَّوم والأحكام بشأن استحقاق اللَّوم على التحيز الضمني ، وبالطبع، يهدف هذا البحث إلى الحصول على نتائج عملية للتخفيف كذلك من النزاعات بين الجماعات، ومع ذلك، يمكن القول: إن السؤال الأكثر إلحاحًا على هذا الصعيد يدور حول مدى استمرارية التدخلات النفسية بمجرد مغادرة الأفراد للمختبر، إلى متى ستستمر التحولات في الاستجابة المتحيزة؟ هل من المحتم أن يقوم الأفراد “بإعادة تعلم” تحيزاتهم (cf. Madva, 2017)؟ هل من الممكن الاستفادة بطريقة عكسية من دروس “الموقفية”، بحيث إن التغيرات في اتجاهات الأفراد تخلق بيئات تثير في الآخرين سلوكيات قائمة على المساواة بشكل أكبر (Sarkissian, 2010 ؛ Brownstein, 2016b)؟ علاوة على ذلك، ما الذي تغير (أو لم يتغير) في مشاعر الناس وأحكامهم وأفعالهم الآن بعد أن حظيت البحوث حول التحيز الضمني باهتمام عام كبير (مثل: Charlesworth & Banaji, 2019)؟

 

المصدر :  مجلة حكمة 

قد يعجبك أيضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبولقراءة المزيد