:: كما ذكرت بزاوية الإثنين الفائت، فإن تمويل مباني مستشفى جبرة للحوادث والطوارئ كان )مركزياً(.. نعم، )7مليارات جنيه( هي تكلفة المرحلة الأولى التي انتهت في العام )2010(، وهي مرحلة المباني التي ظلت مهجورة منذ تسع سنوات.. )7 مليارات جنيه(، عندما كان سعر الدولار )2.5 جنيه(.. وبالأمس تأكدت بأن أجهزة ومعدات هذا المرفق الولائي قد تم تمويلهاً أيضاً )مركزياً(، ومن الصندوق القومي للإمدادات الطبية..!!
:: والمهم.. عند الافتتاح، كشف رئيس الجمهورية تراجع الحكومة عن توصية – صادرة من مجلس الوزراء – بحظر سفر الأطباء.. نعم، في العام 2015، كانت هناك معركة في الخفاء بين الأطباء والسلطات حول الهجرة.. فالسلطات لم تكن تبالي بهجرة الأطباء ولم تتحسب لآثارها، وقالها وزير المالية الأسبق علي محمود – عندما سألوه عن موارد ما بعد انفصال الجنوب – بمنتهى اللامبالاة: )ح نصدر النبق والدكاترة(..!!
:: ثم وزير الصحة بالخرطوم مأمون حميدة – عندما ارتفعت نسبة التصدير – بذات اللامبالاة: )ح نجيب غيرهم(.. وبمثل هذه التصريحات غير المسؤولة، وبنهج اللامبالاة، رسخوا في نفوس الأطباء إحساس أنهم غير مرغوب فيهم، وكذلك الإحساس بأن السلطات المسؤولة عن قطاع الصحة غير مستعدة لإزالة مناخ الهجرة وأسبابها.. وكان طبيعياً أن يهاجروا أفواجاً تلو الأخرى.. ﻓﺎﻟﺮﺻﺪ ﺍﻟﺮﺳﻤﻲ ﻳﺆﻛﺪ ﺑﺄﻥ ﺃﻛﺜﺮ ﻣﻦ )60%( ﻣﻦ أطباء ﺍﻟﺴﻮﺩﺍﻥ ﻳﻌﻤﻠﻮﻥ ﺑﺎﻟﺨﺎﺭﺝ..!!
:: وما أن ظهرت آثار الهجرة في المشافي والجامعات، ندم من نلقبهم بالمسؤولين على تطبيقهم نظرية اللامبالاة، ثم فكروا وقرروا حظر الأطباء عن السفر بواسطة وزارة الداخلية.. وبقرار الحظر، صار حال الأطباء – في المطارات والموانئ – كحال تجار المخدرات والسلاح وكل الذين على )القائمة السوداء(.. كان حظراً شاملاً لكل من درس الطب، طبيباً بالمشافي كان أو أستاذاً بالجامعات..!!
:: وبعد أن ألحق هذا الحظر الضرر بقطاع عريض من الأطباء، خاطبوا وزارة الداخلية بما يُفيد أن قرار الحظر يخص فقط أطباء التخصص المتعاقدين مع وزارة الصحة، بحيث يصبح القرار: التدريب والتخصص على حساب الدولة مقابل العمل في الدولة لثلاث سنوات أو أكثر، أو دفع ما يُقدر بضعف تكاليف التدريب والتخصص لوزارة المالية ثم يهاجر كما يشاء وأينما يشاء، أو )الحظر(..!!
:: وبدلاً عن الحظر، كان يجب إزالة أسباب الهجرة.. تدني الراتب لحد العجز بعد أسبوع من الاستلام.. وضعف فرص التطوير والتأهيل لحد أن من يجد فرصة في العمر كمن طاف بين الكواكب دهراً.. ورداءة بيئة العمل من حيث المكان والمعدات والوسائل لحد عدم التمييز بين المعامل والمكاتب والعنابر وآثار سوبا بعد الخراب.. وضعف الاستيعاب، بحيث تفرخ الجامعات الآلاف لحد التكدس بالسنوات بلا تأهيل أو تدريب.. هكذا تتجلى أسباب هجرة الأطباء..!!
:: ﻭﺍﻟﻤﺆﺳﻒ أن الهجرة )عشوائية(.. أي ﻻ تهاجرﺍﻟﻜﻔﺎﺀﺓ ﺑﺸﻜﻞ ﺻﺤﻴﺢ, ﺑﺤﻴﺚ ﺗﺴﺎﻫﻢ ﻓﻲ ﺩﻋﻢ ﺍﻟﺮﻋﺎﻳﺔ ﺍﻟﺼﺤﻴﺔ ﺑﺎﻟﺪﺍﺧﻞ ﺑﺒﺮﺍﻣﺞ ﺯﻳﺎﺭﺍﺕ ﺃﻛﺎﺩﻳﻤﻴﺔ ﻭﻣﻬﻨﻴﺔ ﻭﻗﻮﺍﻓﻞ ﺻﺤﻴﺔ ﻭاﺗﻔﺎﻗﻴﺎﺕ مع دول المهجر.. ثم ﻛﺎﻥ على السلطات الاقتداء ﺑﺘﺠﺎﺭﺏ ﺍﻟﺪﻭﻝ ﺍﻟﻤﺼﺪﺭﺓ ﻟﻠﻜﻔﺎﺀﺓ ﻭﺍﻟﻌﻤﺎﻟﺔ ﺍﻟﻤﺎﻫﺮﺓ ﺑﻐﺮﺽ ﺍﻟﻔﻮﺍﺋﺪ ﺍلاﻗﺘﺼﺎﺩﻳﺔ, ﻛﻤﺎ ﺗﺠﺮﺑﺔ ﺍﻟﻔﻠﺒﻴﻦ ﻓﻲ ﻣﺠﺎﻝ ﺗﺼﺪﻳﺮ ﻛﻮﺍﺩﺭ ﺍﻟﺘﻤﺮﻳﺾ ﺍﻟﻤﺘﻤﻴﺰﺓ، وهي من التجارب التي ﺳﺒﻘﺘﻬﺎ ﺧﻄﻂ ﻭﺩﺭﺍﺳﺎﺕ ﻭﺃﻋﻤﺎﻝ ﺗﻮﺍﺯﻥ ﻣﺎ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﺤﺎﺟﺔ ﻭﺍﻟﻔﺎﺋﺾ، وهذا ما يُسمى بالنظام..