صحيفة كورة سودانية الإلكترونية

بت المريق 2

16

بالمنطق

صلاح الدين عووضة

بت المريق 2

يقول الراوي :
ودفع الفضول بود مجذوب إلى ولوج طاحونة النصارى..
رغم إنه كان – مع ما عُرف به من شجاعة فائقة – يتهيب ذلك حتى في وضح النهار..
وما ذاك إلا لأنها – مذ هُجرت – مسكونة بأعتى صنوف الشياطين..
هكذا شاع الأمر في القرية – وما جاورها – منذ أمد بعيد ؛ وما يُحكى عنه تشيب له الولدان..
وكان يسرع الخطى للحاق ببقايا الحفل…واللحم…والعرقي..
ودهش لما رآه في جوف الطاحونة…والعتمة ؛ مستعيناً في ذلك بضوء مصباحه اليدوي..
ولكنه دهش أكثر لردة فعل اللذين شاهدهما هناك..
أو بالأحرى ؛ لعدم ردة فعلهما…فهما لم يكترثا به إلا قليلا…إلا قليلاً جداً..
يقول الراوي :
وفي ذلكم الأثناء كان غناء خدوم قد أسكر الرجال بأكثر مما فعل الدكاي المشعشع..
ومع صمت الليل – وسكونه – ازداد وقع صوتها…وإيقاعها..
وهبط الهواوير ؛ وصعد الرواويس..
وأم زينة بنات البلدة – الزينة – تجوس خلال الزحام بحثاً عن ابنتها..
فقد اختفت فور أن أنهت رقصها ؛ واختفى – في الوقت ذاته – باشاب العوير الدريويش..
ولكنه صار مغرماً بالبنيات الصغيرات السميحات..
والذي انتبه لاختفاء باشاب أستاذ الجغرافيا بمدرسة البلدة المتوسطة ؛ حسين إدريس..
فقد كان يرقبه – ضاحكاً – وهو يراقب البنيات الجميلات..
ثم غفل عنه حين بات هو نفسه يراقب – بشغف – رقص الزينة…وشعرها…و قدميها..
ولم ينتبه لغيابه إلا حين صك أذنيه صراخ أمها ؛ وأخريات..
يقول الراوي :
وبعد أخذ ورد…وصياح وضجيج…واجتماعات ومشاورات ؛ استقر الرأي على شيء..
ولعبت حكمة العمدة دوراً كبيراً في الشيء هذا..
وغلبت على وعيد شقيقها الأكبر عصام ؛ وعلى تهديد ابن عمها الشرس عبد اللطيف..
وذلك الشيء هو أن تُستر الفتاة – على سنة الله ورسوله – إلى حين..
رغم إن باشاب – بعد أن غدا عويراً درويشاً – ما عاد يقبل بمصاهرته حتى عبود نويرة..
وإلى أن يحين أوان عقد القرآن طفقت القرية تجتر عجائب القصة..
ومنها العجيبة التي أدهشت ود مجذوب ؛ وهي لا مبالاة المفضوحين به عند رؤيته لهما..
أو عند رؤتهما – هما – له بعينين شبه مغمضتين..
أما أشد العجائب غرابة – في نظر كثير من أهل القرية – ما كان يردده لسان باشاب..
وذلك عندما يُسأل عن كيفية خطفه للزينة في خضم الحفل..
ما كان يردده بلسان أضحى ثقيلاً منذ حادثة الدربوق في ذياك الأصيل ؛ بجوار حقل الذرة..
فقد كان يقول : لم أخطفها ؛ فقط طلبت منها أن تمشي معي…فمشت..
ثم يضحك ضحكةً مشروخة…قبيحة..
يقول الراوي :
ولكن قبل أن يأتي أوان موعد الشيء المضروب..
وفي أصيل يوم من أصائل الصيف الذهبية…وعند حافة الدربوق…وبجوار أعواد الذرة..
ما عاد باشاب عويراً…ولا درويشاً…ولا مغرماً بالبنيات الصغيرات..
بل ما عاد له وجود – أصلاً – في البلدة..
فقد عُثر عليه جثة هامدة..
وحُفظت القضية..
يقول الراوي :
وهكذا انتهت قصة باشاب مع بنت المريق..
أو قصة بنت المريق معه..
أو قصتهما معاً مع البنيات الصغيرات السميحات..
ومع الزينة !!.

من كتاب (شذرات) للكاتب

قد يعجبك أيضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبولقراءة المزيد