صحيفة كورة سودانية الإلكترونية

خليكم مع مِحنة الجنيه!

14

حاطب ليل

د. عبداللطيف البوني

خليكم مع مِحنة الجنيه!


)1(
المُربي الكبير والرياضي الأصيل أسطورة زمانه الأستاذ/ هاشم ضيف الله طيِّب الله ذكراه، كَانت حِكَمه وأمثاله تتناقلها الأجيال وتتثاقف بها أينما حَلّ، فعندما كان ناظراً لمدرسة حنتوب الثانوية كَانَ بالإضافة لحرصه على تفوق المَدرسة الأكاديمية، حَريصاً على الرياضة ويَعتبرها واجباً على كل طالبٍ لا يقل عن الواجبات الأكاديمية، كما أنّه كان حريصاً على جماليات المدرسة, خُضرتها, ميادين النجيلة حجايل الحناء, كان يعتبر المشي على ميدان النجيلة جريمة تستدعي استدعاء ولي الأمر والعُقُوبة التي قد تصل درجة الفصل من الدراسة!
دخل أَحدَ الطلاب وهو مُنتعلاً حذاءه، ميدان نجيلة كان يقف في نهايته هاشم ضيف الله ذات نفسه، فأبصره هذا الأخير وصاح فيه )ارجع ارجع.. ارجع يا ولد(، رفع الطالب بصره وعرف من يزجره، ولكنه رغم ذلك لم يرجع وواصل سيره، فأخذ الناظر يصيح والتلميذ يمشي! فاجتمع الطلاب والأساتذة لرؤية هذه الدراما العجيبة! أكمل الطالب المشوار وَوَجَدَ نفسه وجهاً لوجهٍ مع الناظر الأُسطورة والناس حوله، فصاح الناظر: )أولاً وقبل أي حساب أنا بقول ليك أرجع، ليه ما رجعت؟( فردّ الطالب بهدوءٍ )يا أستاذ إِنتَ لمن قلت لي أرجع أنا كنت تجاوزت مُنتصف الميدان والمسافة الباقية لي من نهاية الميدان أقصر من التي قطعتها، فلو رجعت بعمل خراب أكتر، فقلت أحسن أكسر كلامك ولا أكسر المزيد من النجيلة لأنّك إِنتَ حريص على النجيلة!( فردّ عليه الناظر )استحجيتني, الله يلعنك, عشان كدا عفيتك, يلا أمشي(!
)2(
لو كان الإنجليز مُخلصين للحداثة والتحديث، أي يريدون إقامة دولة حديثة في السُّودان لما فكّروا في بعث الإدارة الأهلية، ولكنهم كان جلود )قحطة ومحطة( يريدون أن يديروا البلاد بأقل تَكلفةٍ مُمكنةٍ، فَكَان قَانُون الإدارة الأهلية لعام 1927 وبالفعل سَاعدهم في إدارة البلاد بأقل تَكلفةٍ، ولكن على حساب الدولة الحَديثة.. جاء النميري وألغى قانون الإدارة الأهلية 1970، ارتكب خطأً كبيراً لأنه فَعَلَ ما فَعَلَ دُون إيجاد البَديل الكَافي من ضباط إداريين وقُضاة حديثين وشرطة والذي منه، فعندما قال النميري للناظر بابو نمر )أنا عاوز أحل الإدارة الأهلية يا الناظر(، ردّ عليه قائلاً )يا سيد الرئيس من يوم وصلت السكة الحديد بابنوسة أنا عرفت الإدارية انتهت، لكن أحسن تخلوها تموت براحة(، بَيد أنّ النميري لم يَسمع كلام الناظر ولم يتركها تموت براحة، فكانت مقاومتها، ثم بعد إلغائها لم يصبر عليها، فقام بإعادتها ورجعت، وهكذا كانت نشأة الإدارة الأهلية خطأً وحلها خطأً ثُمّ الرجوع عن حلها خطأً ثالثاً.. لأنّه بالبساطة يعني التّخبُّط ولا شئ غير التّخبُّط!
)3(
مُناسبة الرميتين أعلاه هو الحديث الدائر هذه الأيام عن السلم التعليمي، والذي يدعو إلى إعادة المرحلة المتوسطة القديمة، ولكن اختلفت التّفسيرات لعودة هذه المرحلة، هل تَصبح جُزءاً من الأساس، أم تلحق بالثانوي، أم ترجع مرحلة مُستقلة كما كانت؟! ثم هناك الاختلاف حول المَعايير التي يَجب أن يُبنى عليها القرار هي معايير تربوية أم مادية، لا سيما وأنّ المال أصبح صَعباً جداً.. ثُمّ كيف الدبارة مع التّعليم الذي أصبح يسير نحو الخاص بسُرعة جُنونية..?!
لقد قَامَ الإنجليز مَشكورين بإيجاد سلالم تعليميّة مُتباينة حسب حاجة مناطق السودان المُختلفة، فكانت المدارس المجلسية )ثلاث سنوات(، إلى جانب الكتاتيب ثُمّ استقر السلم على أربعة, أربعة, أربعة، وكان وضعاً مثالياً، ثُمّ جاء سلّم نميري ثلاثة, ثلاثة, ستة، فاستقر إلى حدٍّ بعيدٍ، ولكن فجأةً كان النبت الشيطاني ثمانية، ثلاثة بدون أيِّ دراسة وبدون أي دَاعٍ، ولكن مع ذلك يجب أن يكون الخُرُوج منه مَدروساً وليس بقراراتٍ مُرتجلةٍ )انتهت المساحة ولم ينته الموضوع(..!

قد يعجبك أيضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبولقراءة المزيد