(1)
يُحيِّرني وما يَتحيّر إلا مُغيِّر، تباكي البعض على إبعاد الحزبيين عن الحكومة مُمثلةً في مجلس الوزراء وإلى حدٍّ ما في مجلس السيادة، وحجّتهم في ذلك أنّ الكفاءات الوطنية المُستقلة ستكون غير معروفة وتخلو من الكاريزما، وبالتالي سوف تكون شخصيات باهتة مِمّا سينعكس على أداء الحكومة، والأهم من ذلك أنّها لن تَقُوم بالدور المَطلوب بالتّضييق على المُعارضين، ويشتط بعضهم قائلاً إنّ في ذلك إبعاداً للثُّوّار عن إدارة البلاد والإتيان بأُناسٍ لَم يُشاركوا في الثورة (قاموا من نومهم ولقوا كومهم)، وبالتّالي لن يكونوا حريصين عَلَى تَنفيذ شِعَارات الثورة من اقتصاصٍ لدماء الشهداء ومُحاسبة المُفسدين في النظام السابق.. لكل هذا قاموا بتلافي ذلك بإدخال ناشطين سِياسيين في مجلس السيادة ثُمّ سَمَحُوا بإمكانية إدخال بعض الوجوه الحزبية (وزيرين) في الوزارة قيد التّشكيل، ولكن الأخطر أنّهم قرّروا تشكيل البرلمان كل البرلمان من السِّياسيين المُتحزِّبين..!
(2)
لتفنيد الآراء أعلاه، نبدأ من القول إنّ الفترة الانتقالية جعلت ثلاث سنوات وثلاثة أشهر بالتّمام والكَمَال، ولا يَدخل في هذه الأشهر الخمسة التي مَضَت بين أبريل وسَبتمبر، وهذا يَعني أنّ الفترة الانتقالية فترة حُكم شبه كاملةٍ في أعتى الديمقراطيات العالميّة، فكيف تكون فترة حكم كاملة بدون انتخاباتٍ؟ كيف لحزبي يحكم دورة حكم كاملة دُون أن ينتخبه الشعب؟ فطالما أنّ هناك ضرورات لتمديد الفترة الانتقالية، فالمنطق يقول إنّها يجب أن تُحكم بأُناسٍ ليست لديهم صِلَة بالحكم السّابق ولا اللاحق لتكون فترة فاصلة بحقٍ وحقيقةٍ.
ثُمّ ثانياً: أيِّ حكومة حزبية في الدنيا يجب أن تكون لها مُعارضة مُؤسّسية وإلا أصبحت شُمُولية، فإذا قنّنا حكومة حزبية بتحديد مُؤسّساتها الثلاث بالاختيار كما هُو حَادثٌ الآن، فكيف نُقنِّن وَضعَ المُعارضة؟! ثالثاً: هَل الشعب الذي انتفض وثَارَ وأسقط نظام الحكم السَّابق كلُّه مُتحزِّبٌ؟ دُون إنكارٍ لدور الأحزاب المُعارضة في تنظيم الثورة، إلا أنّ الهتافات ضد الأحزاب من حَنَاجر الثُّوّار (فاتت أضَانَا بي غادي)..! رابعاً: الاقتصاص لدماء الشهداء ومُحاسبة الذين أفسدوا في النظام السَّابق واسترداد حُقُوق الشعب المنهوبة كَافّة لا يحتاج إلى حكومةٍ حزبيةٍ، إنّما يحتاج إلى دولة يَسُود فيها القانون.. أي إلى مُؤسّسات عدلية مُستقلة وشفافية وحُرية تَعبير.
(3)
قُلنا من قبل إنّ إبعاد الحزبيين لا يعني أنّ المطلوبين غير سياسيين ومساكين و(الغنماية تأكل عشاهم)، بل على العكس تماماً يجب أن يكونوا سِيَاسِيين (مُقرّمين يفهمونها طائرة)! لأنّ منصب عُضو المجلس السِّيادي والوزير، منصبٌ سياسيٌّ بامتيازٍ، فعلينا التّفريق بين الناشط السِّياسي والسِّياسي الذي يفهم مجريات السِّياسة المحليّة والدوليّة، فالمطلوب هذا الأخير.. ودُونكم الآن الدكتور عبد الله حمدوك رئيس الوزراء القادم من دكة الكفاءات الوطنية، فقد أثبت من تصريحين مُقتضبين في المطار وبعد أداء القَسَم أنّه سياسيٌّ من طرازٍ فريدٍ، واستطاع أن يُلوِّح للشعب السُّوداني بأنّ أمة السُّودان يُمكن أن تنجب آبي أحمد سُوداني، وَلَعَلّ هذا موضوعنا ليوم الغد إن شاء الله.