صحيفة كورة سودانية الإلكترونية

من قريتي “الخليلة”

11

 

حديث المدينة

عثمان ميرغني

من قريتي “الخليلة”

أكتب هذه السطور من داخل قريتي “الخليلة” على بعد مرمى حجر من العاصمة.. لا تفصلها من قلب الخرظوم سوى (20) كيلومترا فقط ومع ذلك تقع مع بقية حزام القرى النيلية بين فكي الأسد.. السيول التي تنهمر من أقاصي سهول “البطانة” ونهر النيل الذي يفيض فيلتهم الأراضي الزارعية والسكنية بكل شراهة.. وفي هذا العام كان حزام مدينة “الجيلي” و”قري” وود رملي وواسي الأكثر تأثُّرا، وفقدت مئات الأسر المأوى والخدمات الأساسية بل حتى الطعام ومياه الشرب النظيفة..
لكن هذه الملمات الكبيرة ليست أول مرة، ظلت هذه المناطق النيلية تتعرض للاكتساح بمياه السيول والفيضانات عبر أجيال.. أذكر ونحن أطفال صغار نلعب في ميدان الكرة فجأة ودون سابق إنذار نرى أمامنا وعلى مد البصر السيول تزمجر وهي تهرول نحونا وفي لمح البصر كانت البيوت تتهاوى والأشجار الكبيرة تُقتلَع بكل سهولة.. وبكل أسف رغم بعض التحسينات في مصدَّات المياه، لا يزال الحال هبة محاسن الصدف.. مشروع كارثة..
الآن نحن محاصرون تماما.. من كل الجهات بالمياه.. المياه الثمينة التي تبحث عنها شعوب في دول أخرى وبأبهظ الأثمان ولا تجدها.. فما الذي يجب فعله؟،
في تقديري هذا يشبه حال بلادنا السودان اليوم، أزمات في كل ركن وناصية.. هل تتفرغ الحكومة لمواجهة هذه الأزمات؟
الإجابة من عندي، لا وألف لا..
يجب على الحكومة تأسيس (وحدة إدارة الأزمة) مركزية على مستوى السودان تهتم وتتخصص في مجابهة كل الكوارث بمختلف أنواعها.. سيول وفيضانات، أوبئة وإلى آخرالقائمة المعهودة.. مهمة هذه الوحدة (إدارة) الأزمة فقط لا أكثر.. بكل ماهو متوفر من وسائل بما فيها المنظمات التطوعية التي تنشط في جمع التبرعات العينية والمالية..
لكن الحكومة لا يجب أن تضيع الوقت وتغرق -هي الأخرى- مع المواطنين في مياه الأزمات المتدفقة.. مهمة الحكومة تصميم وتنفيذ الحلول الدائمة على مستوى الخطط المتوسطة والبعيدة..
مثلا.. مشروعات ضخمة لحصاد المياه تخزِّن ملايين الأمتار المكعبة المتدفِّقة من البطانة لتزيد من منسوب المياه الجوفية والمساحات الخضراء التي تساعد على تخفيض درجات الحرارة، وتصبح متنفسات للمدن، ومثال لذلك “سد الكنجر” المجاور لمدينة الجيلي والذي غيَّر تماما مناخ المنطقة ويخزِّن المياه من فصل الخريف حتى فصل الخريف القادم..
حان الوقت لتتفرغ الحكومة للمشروعات المخططة على المستويات الثلاث القريبة والمتوسطة والبعيدة وتترك الطوارئ لـ(وحدة إدارة الأزمة).

قد يعجبك أيضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبولقراءة المزيد