صحيفة كورة سودانية الإلكترونية

إستراحة الجمعة : غير ذات الشوكة

52
د. ناهد قرناص

———-

استراحة الجمعة _ د ناهد قرناص

غير ذات الشوكة

قبل أيام دخلت في جدال عقيم مع أحدهم.. شخص لا أعرفه.. كتب كلاماً أزعجني.. كنت في قمة التحفز لأخذ حقي.. واقناعه بأنني غير ما يظن.. النقاش احتدم ودخلت فيه أطراف أخرى.. في بداية الامر كنت متحمسة جداً.. لكنني مع مرور الوقت بدأت أفقد الرغبة في المتابعة.. وجدت نفسي اتساءل.. ما الذي أفعله ؟ ماهي الجدوى من هذه الدوامة التي لا تنتهي ؟ ما هي الفائدة التي ستعود علي ان أتى راكعاً وقال لي انه يعتذر؟.. فجأة أحسست ان الأمر برمته لا طائل منه.. وانني أضيع وقتي مع شخص لا يهمني.. .ولست بالتأكيد في دائرة اهتمامه..

قبل فترة أيضاً.. مررت بظروف بايخة ( ليس لدي لقب أطلقه أفضل من هذه الكلمة).. دخلت في حالة غريبة من الحزن.. جب عميق وجدت نفسي داخله.. أحاطت بي ظلمة الأعماق مما جعلني اتخبط في قرارات كثيرة.. لم يطل الأمر كثيراً.. فقد أتت سيارة رمت بحبل الود ولم يشروني بثمن بخس.. حينها تساءلت لماذا تمتحننا الحياة قبل ان تعطينا الدرس ؟ لماذا يجب علينا أخذ العبرة بأكثر الطرق ايلاما ؟

تذكرت قصة غزوة بدر.. عندما أراد النبي صلى الله عليه وسلم اعتراض قافلة أبي سفيان.. لم يكن يريد خوض الحرب.. كان يريد فقط الغنائم.. لكن الله قدر له القتال.. اذ قال الله تعالى (واذ يعدكم الله احدى الطائفتين انها لكم وتودون ان غير ذات الشوكة تكون لكم ويريد الله ان يحق الحق بكلماته ويقطع دابر الكافرين ).. الآن عرفت أن الدروس التي تأتي بعد مخاض.. تكون دائماً هي الميلاد لفجر جديد.. لعهد مغاير تتفتح فيه العقول وتزهر فيه النفوس.

هناك رسائل يبعثها لك الكون.. وانت في خضم الحيرة والتخبط.. مثل ذلك الذي قرأته على حائط أحد الاصدقاء الاسفيريين.. وأنا في قمة غضبي الذي حكيته في البداية.. كان مكتوباً (ارتق ما فتق من نفسك.. لا شغل لك بما تمزق من نفوس الآخرين ).. صحيح ما شغلي أنا بما يفكر فيه الآخرون ؟ وما يظنه البعض ؟.. صدق شمس الدين التبريزي عندما قال (انت غمامة على شمسك.. فأعرف نفسك )..

هل تصدق انك حاجز أمام شمسك ؟..انك انت الذي يحول بينها وبين الشروق ؟ يمنعها من ان تسطع وتضئ للآخرين ؟ لولا انشغالك بالجدال والمنافسة والغيرة والنظر لما منحه الله للغير.. لولا ذلك.. لحلقت نفسك في سماوات الابداع.. وخفقت أجنحتك مابين الخافقين.. سبحان الله كلنا نريد غير ذات الشوكة.. ويريد لنا الله ان نخوض الحياة بمجملها.. ونتعلم من كل خطوة ما يصقل النفس ويرفعها درجات فوق الدرجات..

مرت بنا مواقف كثيرة ظنناها شر وكان في باطنها الخير الكثير.. ميزت لنا بين ذلك يحمل بين جنبيه صادق المودة.. وذلك الذي يحيط نفسه بزيف الكلام والمعاني .. لكنها كانت في نهاية الأمر.. كلها خير.. او كما قال التبريزي (والذي يبدو لك غروباً.. لكنه شروق.. واللحد يبدو سجناً.. لكنه خلاص الروح).

قد يعجبك أيضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبولقراءة المزيد