صحيفة كورة سودانية الإلكترونية

اعتذارك ما بفيدك

15

صباحكم خير – د ناهد قرناص
اعتذارك ما بفيدك

بلدياتنا جلس في خطبة الجمعة بالقرب من صاحب مخبز القرية الذي يغش في وزن الرغيف ويسلمه لهم في أحجام تصغر يوماً بعد يوم ..الخطبة في ذلك اليوم كانت عن المطففين وعذابهم يوم القيامة ..وأهوال ذلك اليوم العظيم ..صاحب المخبز شرع في البكاء بصوت عال متأثراً بأجواء الخطبة ..فما كان من بلدياتي الا أن قام بلكزه وقال له (اونجتم ..ايشكا دووكر ) ..ويعني (ما تبكي ..بس كبر العيشة).
في الايام الفائتة كنت خارج العاصمة القومية ..قضيت يومين في البطانة ..انقطعت خلالها عن الأخبار ..وعندما عدت الى العاصمة ..وجدت الناس يتحدثون عن الاعتذار الرئاسي ..قيل لي إن أعلى الهرم السيادي ونائبه قد قدما الاعتذار للشعب السوداني عن ما يعانيه من شظف العيش ..وكان الاعتذار مباشراً (نعتذر للناس الواقفين في صف العيش والبنزين ) ..و(نعتذر للناس الواقفين في السخانة).
والحقيقة بعد الشكر والتقدير للمتابعة اللصيقة لأحوال الرعية ..والاهتمام بتفاصيل الحياة اليومية ..يراودني سؤال لسيادة الرئيس ونائبه ..وهو (ماذا نفعل بالاعتذار ؟ ) او بعبارة أخرى ..من أي بنك يتم صرف شيك الكلمات الطيبة التي يجري بذلها صباح مساء من قبل أصحاب السعادة ؟ سافرت خارج الخرطوم لمدة يومين فاكتشفت ان تعبئة انبوبة الغاز يكلف (2800) جنيه سوداني ..تعبئة فقط !!..وجدت الخبز متوفراً بدون صفوف ..سعدت وفرحت ..قلت لنفسي ان الازمة في طريقها للانحسار..لكن عندما سألت عن سعر الرغيفة الواحدة .زاد عجبي ..الرغيفة الواحدة حجمها لا يزيد عن حجم الكف سعرها سبعة جنيهات ..ولو زاد الحجم قليلاً ..فالرغيف بعشرة جنيهات ..يعني أقل أسرة لابد لها من مائة جنيه يومياً للخبز ..اما البنزين والجازولين ..فحدث ولا حرج ..الناس تبيت بالأيام والليالي بالقرب من محطات الوقود ..واحتمالية العودة صفر اليدين كبيرة جداً.
أنا واحدة من الناس الذين استبشروا خيراً بالانتقالية ..وهللت عندما شاهدت صورة للوزراء وهم داخل حافلة تقلهم جميعاً الى مكاتبهم كموظفين عند الشعب السوادني الذي يدفع رواتبهم من ضرائبه ومدخلات انتاجه ..قلت أخيراً جاء من يحس بالشعب ويشعر بمعاناته ..لكن ذلك لم يدم طويلاً ..اختفت الحافلة ..وحلت بدلاً عنها سيارات فخمة ..يتقدمها موتر لافساح المجال …طبعاً دا غير مواكب اعضاء مجلس السيادة والتي تتوقف لها الحركة في العاصمة القومية حتى يصل اصحاب السعادة الى مكاتبهم بأسرع وقت …قلنا ما مشكلة (ما فوكا حاجة) …لكي يسارعوا أيضاً بحلحلة المشاكل والتعجيل بانزال الحلول على الارض ..لكن الانتظار طال ..والجماعة (ماشين السبورة وجايين من السبورة) .. ورايحين المكاتب وراجعين من المكاتب ..واجتماعات ومؤتمرات ..ولجان وتكاليف واعفاءات وتعيينات ..واتفاقيات وتحالفات ..وشنو وشنو ..ولا تزال الصفوف لا تراوح مكانها ..بل كلما انتهى صف ..جد بالتذكار صف ..واشكو ليك يا ربي.
بعد كل هذه الساعات والأيام والشهور من عمر الانتقالية ..ونحن كل يوم في الترقب وانتظار المستحيل ..بعد كل هذا يخرج علينا أصحاب السعادة في مجلس السيادة ..باعتذار .. ..الاعتذار لا يفيد مع الأسف ..والمؤسسات العسكرية لهم الأولوية والأفضلية في تقدم صفوف الوقود ..ولو حدث وتجرأ مواطن عادي واعترض على تجاوز ضابط له ..لوجد من العذاب والاعتقال والتنكيل ألواناً ..وفنوناً.. الاعتذار لا يفيد وأكياس الرغيف الساخن تصل الى بيوتكم وتقيكم شر المزاحمة مع الجمهور ..الاعتذار لا يفيد وانتم على الأرائك متكئون ..وتصرفون لنا بضع كلمات بدلاً عن الافعال .. اعتذارات !! اعتذارات ..كلام في كلام لا يسمن ولا يغني من جوع ..لذلك بكل أسف نحن الشعب الصابر على المحنة ..نرفض اعتذاركم بكل لطف قبل أن يتحول إلى عنف ونحيل سيادتكم للقصة التي ابتدرنا بها مقالنا ..ونقول لكم كما قال بلدياتنا ( اونجتم ..ايشكا دوووكر).

 

الجريدة

 

قد يعجبك أيضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبولقراءة المزيد