صحيفة كورة سودانية الإلكترونية

الإلغاء.. بعد المراجعة

8

للعطر افتتاح

د. مزمل أبوالقاسم

الإلغاء.. بعد المراجعة

 

* ماذا يعني قرار مراجعة عقد الشركة الفلبينية لتشغيل الميناء الجنوبي في بورتسودان؟
* الأرقام المثبتة بواسطة المراجع العام تدل على أن إيرادات هيئة الموانئ للعام 2018 فاقت تسعة مليارات جنيه )9 تريلونات بالقديم(، تساوي )389( مليون يورو بحساب السعر الذي حددته وزارة المالية )24.38( جنيهاً لليورو في العام المنصرم، وإذا حسبناه بالسعر الرسمي الحالي سيساوي المبلغ أكثر من 166 مليون يورو.
* ضخت الهيئة أكثر من ثلاثة مليارات جنيه من إيراداتها في خزانة الدولة، التي حددت الربط المقدر لها بمليارين ومائة ستة وأربعين مليوناً، لتبلغ نسبة سدادها )143%(.
* حدث ذلك بعد أن أوفت الهيئة بكامل التزاماتها تجاه العاملين في الموانئ، وتولت صيانة كل آلياتها، وتكفلت بسداد مديونيات قديمة لها، ثم زادت على ذلك تقديم دعم شهري راتب للسكة حديد بمليوني دولار شهرياً، فكيف توصف بعد ذلك كله بالخاسرة، وكيف يتم التشكيك في أدائها، بعد أن تخطت الربط المقدر لها من المالية بما يقارب الخمسين في المائة؟
* ما دفعته هيئة الموانئ فعلياً لخزانة الدولة في العام الماضي يساوي )124( مليون يورو، وذلك يعني أن الهيئة كانت قادرة على توفير قيمة العقد في أقل من أربعة أعوام، فكيف يتم تخصيص الميناء الرئيسي لشركة أجنبية لمدة عشرين عاماً؟
* لو تعلق العقد بأيٍّ من الموانئ الأخرى التي تحتاج إلى تنمية وتطوير، مثل ميناء أوسيف، أو ميناء سواكن، أو بتأهيل وتطوير الميناء الشمالي، لهضمنا فكرة الاستعانة بشركة أجنبية لتنفيذ تلك الغاية.
* أما أن يتعلق التفريط في الميناء الرئيسي، الذي يستقبل )85%( من حجم التداول التجاري للحاويات في موانئ السودان، فذلك أمر بالغ الغرابة، طبيعي أن يواجه بالنقد، وأن يثير حفيظة الحادبين على مصلحة الوطن، الساعين إلى المحافظة على مكتسباته من الضياع.
* هذا العقد المريب لا يدافع عنه إلا من تحركهم مصالح خاصة، أو من يكتبون بطريقة )خالف تُذكر.. وتُحتقر(!
* خرجت الشركة الفلبينية من حلبة التنافس على العطاء في المرحلة الثانية من التفاوض على خطة التشغيل، بسبب عدم الاتفاق معها على عدد من أهم بنود العقد، وعلى رأسها )حصرية التشغيل( لكل موانئ البحر الأحمر، وتعرفة التحصيل، عندما أصرت الشركة على تحصيل الرسوم بالسعر الموازي أو التأشيري )على أسوأ الفروض(، وعلى تحميل الموانئ نتائج أي تعديل يحدث في الإجراءات والقوانين التي تؤثر على التحصيل )مثل تعديل سعر الصرف مثلاً(.
* تم استبعاد الشركة بموافقة رئاسة الجمهورية ووزارة النقل على حد السواء، لكنها عادت لاحقاً بالشباك، لتثير عودتها استغراب كل من أشرفوا على التفاوض وشاركوا فيه، وعلى رأسهم اللواء د. عبد الحفيظ صالح المدير الأسبق للموانئ، الذي دفع منصبه ثمناً لموقفه الرافض للعقد المجحف.
* من أسوأ البنود التي حواها العقد، نص يُمكِّن الشركة من تشغيل الميناء الجنوبي بعمالة وطنية، قوامها ثمانمائة عامل فقط، لأن ذلك يعني تشريد أكثر من ألف عامل، يكسبون عيشهم من الميناء الرئيسي في البلاد.
* حتى الثمانمائة الذين التزمت الشركة الفلبينية باستيعابهم لم يتم تحديد مخصصاتهم حتى لحظة توقيع العقد، وذلك يفسر لنا سبب غضبة النقابة وفرعياتها، ومطالبتها المحمومة بإلغاء العقد، وليس تجميده فحسب.
* من مساوئ العقد أنه خلا من أي بند يلزم الشركة بتطوير آليات الميناء، حيث نص على صيانة الموجود منها فعلياً، وتغييره )إذا دعا الأمر(، مما يعني أن الشركة تستطيع أن تعمل بذات الآليات الحالية طيلة فترة العقد، إذا وجدت لذلك سبيلاً.
* لم ينص العقد على أي مسؤولية للشركة الفلبينية تجاه مجتمع الميناء والولاية نفسها، علماً أن هيئة الموانئ كانت تورد مبالغ مقدرة لدعم برامج الولاية وخدماتها، كمسؤولية مجتمعية راتبة، تقدمها سنوياً.
* نسأل: طالما أن التشغيل يتم في غالبه بعمالة سودانية، وبالآليات الموجودة أصلاً، فما الداعي لتأجير الميناء باتفاقٍ يمتد عقدين من الزمان؟
* هذا العقد السيء ينبغي أن يكون مصيره الإلغاء الفوري، وليس التجميد ولا المراجعة، سيما وأنه لم يمُر قبل توقيعه على مجلس الوزراء، ولا البرلمان القومي، ولا حتى وزارة العدل، الجهة المختصة أصلاً بإبرام كل العقود الحكومية.
* المراجعة وحدها لا تكفي، مع تمام علمنا بأنها ستؤدي إلى الإلغاء، متى ما تمت بمنظور المصلحة العامة، ولم يسيطر عليها النهج المختل، الذي أعاد الشركة ذات الحظوة إلى حلبة التفاوض، بعد أن غادرتها من الباب الكبير.

قد يعجبك أيضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبولقراءة المزيد