صحيفة كورة سودانية الإلكترونية

الاعلام ياوزير الاعلام..

8

مــذاق الحــروف

عماد الدين عمر الحسن
الاعلام ياوزير الاعلام..

لم تسع الفرحة تلميذات مدرسة الاساس بتلك المنطقة بنواحي جنوب الخرطوم عندما علمن أن التلفزيون بصدد تسجيل فقرة من المدرسة تعكس بعض جوانب النشاط الثقافي من خلال واحد من البرامج التي تقدمها قناته الفضائية ، وخلال اسبوع كامل تنافست الطالبات علي إعداد وتجهيز بعض المواد لعرضها خلال الفقرة الموعودة ، وعلي حسب تقدير الطالبات فقد كانت المواد الثورية هي الانسب لتقديمها خلال البرنامج ، فأعدت تلميذة فقرة عن الشهداء واخري بعض الاناشيد الثورية واخريات فضلن بعض المواضيع الاجتماعية العامة .
في اليوم الموعود حضر معد البرنامج الي المدرسة للتسجيل مع الطالبات ، واستمع الي ماتريد الطالبات تقديمه ثم قام – أطال الله عمره – باستبعاد كل الاناشيد الثورية والمواد التي تمجد الشهداء واكتفي بباقي المواضيع العامة دون أن يقدم اي تفسير للتلميذات اللاتي عقدت الدهشة ألسنتهن الصغيرة .
حسب تقديري الخاص فمثل هذا التصرف ليس بفردي ، بل هو نهج متبع من ادارة التلفزيون التي لم تغير سياساتها كثيرا حتي بعد تغيير مديرها القديم ، وظلت كل المناصب العليا في هذا الجهاز الحساس مشغولة بعناصر العهد البائد الذين يتحكمون في توجيه البرامج حسب ارائهم وقناعاتهم الخاصة دون اي اعتبار لنبض الشارع ورغبات المشاهدين .
من يتابع تلفزيون السودان لايكاد يحس أن هذه البلاد قد شهدت ثورة عظيمة قبل اشهر قليلة قدم فيها الشباب أرواحهم الغالية فداءا لنجاحها ، من يتابع التلفزيون لا يكاد يعرف أن نظام الحكم قد تغير بعد أن نجحت الثورة في اقتلاع النظام القديم وفرض ارادتها الحرة علي المشهد بكامله ، من يتابع الاخبار عبر تلفزيون السودان يلاحظ التعتيم الشديد علي مجهودات وزراء الحكومة المدنية في مقابل التركيز الكبير علي مجهودات ونشاطات حكام الولايات من العسكريين ، بل ان تلفزيون السودان حين يقدم رئيس الحكومة – علي استحياء – يكتب اسمه مسبوقا بلقب الدكتور فقط دون اشارة الي منصبه الرسمي .
تلفزيون السودان لم يشارك الناس من قبل فرحتهم بسقوط النظام ، بل حاول تشويه صورة من كانوا بالاعتصام بكل ما اوتي من امكانات ووصفهم باسوأ الالفاظ في امتداد لما كان يفعله رموز النظام القديم الذين سموا الثوار بشذاذ الافاق .
التلفزيون ياوزير الاعلام لايزال يمارس سياسة تكميم الافواه وسياسة التمييز في تقديم المواد وفي منح فرص الظهور حسب الانتماءات وكل ذلك لابد أن يتغير حسب ما يقتضيه الوضع الجديد .
ليس التلفزيون وحده – بل حتي الصحف لازال يسيطر عليها رموز النظام القديم ونجزم أن أكثر من نصف الصحف التي تصدر بالخرطوم يترأس تحريرها منسوبو حزب المؤتمر الوطني البائد ، منهم من يسهل معرفتهم للعامة لمجاهرتهم بهذا السوء ومنهم من يتخفي محاولا ارتداء أثواب المدنية واللحاق بركب الثوار ، لكنهم علي السواء يصعبون كثيرا من مهام نشر الحقائق ويضعون العراقيل أمام الكثير من التقارير ، ولك أن تعرف عزيزي القارئ أن بعض الاعمدة تحجب وتمنع من النشر بسبب مخالفتها لاراء بعض رؤساء التحرير .
صحيح أن وضع الصحف يختلف عن وضع التلفزيون باعتبارها ملكيات خاصة ، وصحيح أن مبادئ الثورة تمنع حظر الرأي ومصادرة الحريات – ولكن العديد من التدابير يمكن اتخاذها يا سيادة وزير الاعلام لمنح اصوات الثورة المزيد من المساحات وتمكينها من بعض المنابر حتي يشعر الناس بالتغيير .

قد يعجبك أيضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبولقراءة المزيد