من المفترض حسبما هو مقرر وفقاً لمجلس الشركاء أن يكون اعلان الحكومة الجديدة قد تم بالأمس، فحتى لحظة كتابة هذا العمود بعد منتصف نهار أمس لم يعلن رئيس الوزراء عن التشكيلة الحكومية الجديدة, وربما يعلنها في المساء فيما عدا من يشغل حقيبة التربية والتعليم التي آلت لمسارات سلام جوبا الثلاث (مسارات الشرق والوسط والشمال) التي لم تتوافق على مرشح لهذا المنصب حتى يوم الاحد الاول من أمس، ولكن في النهاية لابد من اعلان الحكومة سواء تم ذلك بالأمس أو سيتم اليوم أو في الغد، غير أن الأهم من شكليات التشكيل والاسماء التي ستستوزر، هو ما الذي ستفعله الحكومة الجديدة القادمة لتخفيف وطأة المعاناة الخانقة التي يعانيها الشعب في معاشه، وما هو برنامجها في كل المجالات وتحديدا فيما يخص الاقتصاد، هل ستستمر ذات السياسات المطبقة حاليا، أم ان هناك وصفة اقتصادية أخرى وروشتة علاجية جديدة، وكذا الحال بالنسبة للسياسة الخارجية وخاصة ما يتعلق منها بقضية التطبيع مع اسرائيل، هل ستعتمد الحكومة الجديدة هذا المسار الذي افترعته الحكومة السابقة وستمضي فيه الى آخر الشوط، أم أن لها رأي آخر، فالمؤسف ان الاهتمام بالتشكيل عبر المحاصصة السياسية والحزبية واقتسام كيكة السلطة والصراع حول من يشغل هذا المنصب أو ذاك، استنزفت وقتا وجهدا كبيرين من قوى الحرية والتغيير وشركاء سلام جوبا، وانصب كل الاهتمام في هذه الجزئية مع اهمال تام للبرنامج الذي ستشتغل عليه الحكومة، وهذا وضع مقلوب تنطبق عليه مقولة (وضع العربة أمام الحصان)، اذ كان من المفترض ان يولي شركاء السلطة مسألة البرنامج المتفق عليه اهتماما كبيرا، وان تكون له الاولوية القصوى وان يستبق موضوع اقتسام الوزارات واختيار من يشغلونها من الجانبين، وكان المنطق يقضي على شركاء السلطة ان يعتبروا من تجربة الحكومة السابقة التي شهدت تشاكسا كبيرا ومعارضة قوية من حاضنتها السياسية لكثير من البرامج والسياسات التي سارت عليها الحكومة وخاصة ما يختص بمعالجة الازمة الاقتصادية..
فهل يا ترى ستكون الحكومة الجديدة بقدر المأمول فيها بأداء مختلف وايقاع اسرع مما كان عليه الحال في الحكومة السابقة، وتصدق فيها العبارة الشعبية الذائعة (الجديد شديد)، أم ان الناس سيفطرون بعد هذا الصبر الجميل على بصلة كما يقول المثل، وتستحق أن يقال عنها بعد مخاضها العسير شن جده على المخدة، ومشطوها بي قملها، وقطية شلعوها وبنوها تاني بقشها القديم، فالحكومة القادمة مواجهة بعاصفة من المشاكل والقضايا التي تتطلب النظر إليها بعين وطنية متجردة ومعافاة من اي عشى حزبى ومكاسب ذاتية وآنية ضيقة، واذا ما أريد للتركيبة الحاكمة القادمة ان تحدث تغييراً كبيراً، عليها بداية أن تتعظ من كل الاخفاقات التي وقعت فيها الحكومة السابقة، وأول وأهم هذه العظات هو بلاشك تقاطع وتناقض الرؤى والاهداف بين قوى الائتلاف الحاكم، وهذا ما يفرض عليها ان تعمل أولا على توحيد الرؤية والهدف، فان لم تتوحد الرؤية والهدف فلن تعدو الحكومة الجديدة أن تكون سوى تكرار للسابقة، فالتجربة التي لا تورث حكمة تكرر نفسها.