صحيفة كورة سودانية الإلكترونية

الضباب !!

8

بالمنطق

صلاح الدين عووضة

الضباب !!


*أول من رأى الظاهرة حاجة سعيدة..
*استيقظت فجرأ لتجهيز الشاي…فابنها مسافر إلى الخرطوم..
*وأثناء حلبها المعزة تنتبه لشيء غريب في السماء..
*لم تكن هي سماء كل يوم…بل بدت وكأنها تغطت بثوب )زراق(..
*وينكشح منها اللبن على الأرض…من شدة الخوف..
*ثم يتبعها في رصد الظاهرة عبد المجيد…صاحب الدكان..
*ويحكي لزبائنه بهلع كيف إنه رأى لحظة زحف )الدخان( على سماء البلدة..
*وبعد أن )فجَّت الدنيا( تأكد من أنه ليس سحاباً…كما توهم بدءاً..
*ولم يبع في يومه ذلك شيئاً…..ولم يكترث..
*ثم كان ثالث المنتبهين سليم العريبي…ريس المركب..
*قال إنه حين هبط المشرع لم يميز- أول الأمر – بين )البحر( والسماء..
*وعزا ذلكم الخلط – في البداية – إلى تأثير )دكِّاي( الليل..
*فعاد إلى )كرِّقته( لرشف مزيد من القهوة…ثم عاود الهبوط تلقاء النهر..
*ولكنه فوجئ بأن السماء ما زالت في لون النيل..
*ولون النيل هو لون مياهه العكرة…..في أوان )التساب(..
*وتوالت بعد ذلك – عند شروق الشمس – قصص مشاهدة الضباب..
*وتوالت – أيضاً – قصص الظواهر الغريبة…وحكاياتها..
*وأشهرها جفاف الزرع …والضرع ……..والدمع..
*فحتى الدموع بخلت بها المآقي حين احتاجها البعض…خوفاً وطمعاً..
*وهُرع الناس إلى المسجد علهم يجدون تفسيراً….وطمأنينة..
*حتى ستات العرقي – والبهجة – نونة…وحنونة…وزيتونة ؛ هُرعن إلى هناك..
*ويضوع منهن ما بقي من آثار الليل….مثل )دكَّاي( سليم العريبي..
*وكان أكثر الناس هلعاً…وخوفاً…ورعباً…كبير البلدة..
*ولكن شيخ فتحي – إمام الجامع – كان هو نفسه ينتظر تفسيراً…وطمأنةً..
*ولما حان وقت صلاة الظهر لم يؤذن حاج صالح كعادته..
*كان الجميع مشغولين بالنظر إلى تغيُّرات بدأت تطرأ على الضباب..
*فقد طفق يتشكل بعضه…في بعضه…من بعضه ؛ رويداً رويداً..
*وأقسم نفر إنه كان يتشكل على هيئة وجوه أناس من البلدة يعرفونهم جيداً..
*وجميعهم تحت الثرى ؛ ظلماً…وغدراً…وغيلة..
*ولكن الأستاذ )بتاع( الكتب – كما كان يُسمَّى – نفى هذا الزعم ..
*وأرجع – مجاهد – الأمر إلى محض توهم من منطلق التمني..
*وهو نفسه كان أسير تلكم الأماني التي ظلت حبيسة الصدور سنين عددا..
*أمنيات مصوبة – كما السهام – نحو الظالم…وأتباعه..
*بيد أن السماء لا تمطر تغييراً يقول مجاهد…وما نيل المطالب بالتمني..
*واستغلها سانحةً لدفع الناس نحو تغيير يأتي من الأرض..
*فانصرفوا عنه أكثر من ذي قبل….يؤثرون – كعادتهم – السلامة..
*وعند بزوغ شمس اليوم التالي اختفى الضباب..
*واختفت بهائم…وعيوش…وتمور…وبضائع….وبقايا ابتسامات..
*واختفى ما كان في نفوس الناس…بين عشية وضحاها..
*وشهدت البلدة ضباباً على الأرض !!.

قد يعجبك أيضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبولقراءة المزيد