صحيفة كورة سودانية الإلكترونية

الفزع الذي يزيد الوجع

37

بشفافية – حيدر المكاشفي

الفزع الذي يزيد الوجع

أبدى والي جنوب كردفان، د.حامد البشير مخاوفه من حشد وتحريك القبائل من المحليات المجاورة لمنطقة النزاع القبلي عبر ما يعرف محلياً ب(الفزع)، ما يترتب عليه اتساع نطاق القتال وتزايد أعداد الضحايا، خاصة أن للقبيلتين المتنازعتين امتدادات كبيرة خارج الولاية. والفزع كما وقفت عليه شخصيا بحكم نشأتي في احدى المناطق المعروف عنها ممارسة الفزع، هو تقليد مجتمعي تشتهر به بعض القبائل في السودان، خاصة ولايات كردفان ودارفور، حيث يتنادى أهل العشيرة أو القبيلة وحلفائها لمناصرتها في مواجهة اعتداء من قبيلة أخرى أو لاسترداد مسروقات أو للثأر، حيث يتم إبلاغ أفراد القبيلة في المناطق القريبة والبعيدة عن حادثة محددة عبر تقليد محدد لمناصرتها، وقديما كان يتم إعلامهم عبر الضرب على النقارة بطريقة معينة وابتعاث شخص معين للمناطق البعيدة. ولكن حديثا حل الهاتف الخلوي محل تلك الآليات التقليدية، بعدها يتجمع أهل القبيلة في موقعين أحدهما بمنزل رجل الإدارة الأهلية، وهو كبير القبيلة، والتجمع الآخر لدى العقيد (رتبة في تراتيبية هرم الادارة الأهلية)، وهو الشخصية التي تقود القوة إلى المعركة. وعادة ما يُختار العقيد وفقا لمعطيات محددة، متمثلة في أن يكون شخصية متميزة وفارسا وكريما وخدوما وملبيا للدعوات ويحوز احترام الجميع، وترافق عملية الفزع طقوس محددة قبل وبعد العملية، وتشارك في الفزع النساء أيضا وخاصة الحكامات بحملهن للزاد والمياه وتضميد الجراح، وزيادة حماسة الرجال بإنشاد الأغاني، وإطلاق الزغاريد أثناء المعركة لرفع روحهم المعنوية..وغير هذا الفزع المتحرف للقتال، هناك نوع آخر من الفزع الذي ينزع نزوعا انسانيا حميدا لنجدة منكوب واغاثة مستغيث، من ذلك مثلا عند اشتعال حريق فان الناس يهرعون ويفزعون لاخماده، كما يفزعون في الخريف لنجدة من داهمتهم السيول..

لقد حق لوالي جنوب كردفان أن يفزع من (الفزع) الذي يؤجج القتال ويضاعف اعداد ضحاياه، فمن المفزع جدا ان لا يزال هذا التقليد القبلي المتخلف يمارس حتى اليوم، بل وتزداد خطورته بانتشار السلاح بمختلف أنواعه في أيدي المواطنين، ولهذا ان تعذر نزع هذا التقليد المتخلف من الرؤوس فى المدى المنظور، فلا أقل للحد من خطورة الفزع من نزع وجمع السلاح المنتشر بكثافة خارج الأطر النظامية، فلو تمكنت الحكومة من حصر حمل السلاح على القوات النظامية فقط، لأمكن ذلك من القضاء على ظاهرة الفزع ولو تدريجيا، هذا طبعا مع التشدد في انزال أقسى العقوبات بالمتفلتين الذين يشاركون في هذه العمليات البربرية الهمجية، كما يستلزم مجهود مكافحة الفزع الاستعانة بالادارة الأهلية واعدادها بالشكل الذي يجعلها خصما على الفزع والاقتتال القبلي بدلا من أن تكون راعية ومنظمة له كما هو حادث الان، كما تتسبب الحكومة بتباطؤها وتقصيرها في أداء واجبها في منع وقوع هذه التفلتات في بدايتها، ما يجعلها تتفاقم وتتطور إلى نزاع دموي، فكل تلك النزاعات القبلية ما كان لها أن تفضي لما أحدثته من موت ودمار لو أن الحكومة سارعت للاضطلاع بمهمتها في هذا الخصوص ولم تتركها للقبائل لتأخذ ما تراه حقا لها بيدها وبقوة السلاح وليس العرف والقانون، فغالبا ما تنشأ تلك القضايا صغيرة وبسيطة وفي متناول الحل، ولكن التغاضي عنها هو ما يضخمها لحد الانفجار..

قد يعجبك أيضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبولقراءة المزيد