صحيفة كورة سودانية الإلكترونية

الفساد المصلح

11

بشفافية

حيدر المكاشفي

الفساد المصلح


من المعلوم بالبداهة أن الفساد ليس شكلا واحداً، بل له أشكال وألوان وفنون مختلفة، كما أن الفاسدون ليسوا ملة واحدة بل ملل ونحل ولقبيلتهم خشوم بيوت وبطون وأفخاذ، أقلها شأناً وخطراً هو ما يستطيع أي مراجع مالي مبتدىء كشفه، فمن فرط بساطته وغشامة مرتكبه هو أنه يترك دليلاً عليه وهذا ما أسميناه )الفساد أبو أدلة(، أما أخطر أنواع الفساد وأكثرها فتكاً بالمال العام هو ذاك الذي لا تطاله يد المراجعة ولو طالته لن تجد دليلاً عليه وفق التعريف القانوني لـ)الادلة(وهذا أسميناه الفساد )أبو من غير أدلة( قانونية وأوراق ثبوتية تذهب بمرتكبه الى سوح القضاء، ولكن من حكمة الله ولطفه على عباده المساكين أن جعل له دلائل وإشارات وأمارات وعلامات أخرى تدل عليه، فالدنانير دائماً ما تأبى إلا أن تطل برأسها على قول الخليفة العادل عمر بن الخطاب رضى الله عنه الذي اعتبر في القصة الشهيرة مع احد عماله مجرد إطلال الدراهم والدنانير دليلاً يستوجب المحاسبة والسؤال، ولكن مشكلتنا هنا مع هذا النوع الخطير من الفساد أننا كلما أشرنا اليه أمسك بحلقومنا أحد النافذين والمتنفذين وبطانتهم وتوعدونا بالويل والثبور اذا ما تحدثنا عن أي فساد بلا دليل أو برهان عليه، وأنّى لنا بالادلة والبراهين وهي حكر على هؤلاء المتنفذين ومحظييهم ومن أين لنا أن نعلم ما ستروا وما أخفوا والدليل )خلوّها مستورة(.. في هذا الاطار لابد لنا أن نحمد لرئيس الوزراء ايلا )كشوفاته وكشاته المتواصلة(لأنهاتعطي مؤشرا رسميا على فداحة )المآكل( التي وقعت على المال العام ولا بد من الاشادة به ولو من باب الإعانة على مكافحة الفساد، فاكتشاف وكشف أي عدد من ممارسي النهب المصلح وإن قلَّ يعتبر خطوة في الاتجاه الصحيح وتطور محمود ومطلوب، والشيء بالشيء يذكر، أذكر أن الرئيس البشير قال مرة بالصوت العالي )تاني ما في أولاد مصارين بيض(، وأولاد المصارين البيض هؤلاء لن يكونوا غير جماعة المؤتمر الوطني وأحبابهم )يعني حيكونوا رفاق الحزب الشيوعي(، ولا يعني )حيكونوا أولاد الغبش الواقفين صفوف وناس قريعتي راحت(، وعبارة )أولاد المصارين البيض( هي تعبير سوداني قديم كان يطلق على أبناء الذوات المحظوظين الذين يجدون الحب والحظوة من أسرهم الموسرة والمنعمة أو المتنفذة، التي تستجيب لكل رغباتهم ومطالبهم، وتحميهم من كل من تسول له نفسه منازعتهم على شيء، وتغفر لهم كل زلاتهم وهفواتهم وحتى نزواتهم مهما بلغت.
فهو إذن يعني فئة مخصوصة ومحظوظة من البشر لا تنطبق عليها معايير الخطأ والصواب التي يحاسب عليها أبناء غمار الناس، كما ينالون ما لا يطاله غيرهم من غير أولاد المصارين البيض.. والعبارة أو المصطلح المقابل والمضاد لأولاد المصارين البيض، هو )أولاد قرف بكسر القاف والراء( أو جنقجورة أو كموش، والمعنى واضح في بطن العبارات )قرف وجنقجورة وكموش( ولا يحتاج لشرح، ومن احتاجه عليه فقط عكس أي كلمة حلوة ورقيقة وردت في تعريف أبناء المصارين البيض الى نقيضها..

قد يعجبك أيضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبولقراءة المزيد