صحيفة كورة سودانية الإلكترونية

حكم العسكر !

20


—————
مناظير – زهير السراج
حكم العسكر !

 لم يكن غريباً على رجلٍ حُظِيَ بقدرٍ كبيرٍ من الاحترام، ونال إشادة الكثيرين، من السياسيّين والصحافيّين وقادة الرأي داخل وخارج أمريكا، ووصفته صحيفة ( واشنطن بوست ) في افتتاحيتها بـ” الأمريكي الذي لا يُعَوَّض”، وقالت ” إنه كان شخصيةً محترمةً، وكانت وجهة نظره تتمتع بمصداقية حتى بين مَن عارضوه بشدة”، ولقد استحق فعلاً ما ناله وحُظِيَ به، من خلال تجربته السياسية ومكانته الاجتماعية ومناهضته لممارسات التعذيب والقهر في سجون المخابرات الأمريكية..

* إنه السيناتور الأمريكي الأسبق، نائب الكونغرس الجمهوري عن ولاية أريزونا، الراحل (جون مكين) الذي كان من أبرز واضعي الاستراتيجية الامريكية، وأكبر المشرِّعين دعماً للديمقراطية في المنطقة العربية، وأحد أبرز الساسة الأمريكيين مساندةً للثورات العربية..

* لم يكن غريباً عليه أن يطلق تصريحاً يمثّل أفصح وأوضح موقف للكونغرس الأمريكي من انقلاب الجيش المصري على الديمقراطية!

* وصف (جون مكين) في مؤتمر صحفي خلال زيارة لمصر في يوليو 2013 .. ما حدث فيها بأنه انقلاب عسكري، ووصف الإنقلابيّين بأنهم مثل البطة التي تحاول تغيير مشيتها، قائلا عندما سئل هل ما حدث بمصر انقلاب: “إذا كانت تصيح كالبطة وتمشي كالبطة، فهي بطة!”، ولم يكن مُستَغرَباً أن تستنكِر الرئاسة المصرية آنذاك تصريحات مكين، وتصفها بالخرقاء، وتعتبرها مرفوضةً جملةً وتفصيلاً، وتصفه الصحافة المصرية الموالية للنظام وقتها، والتي تصف نفسها بالليبرالية، أنه عدوٌّ للعرب، لا لشيء سوى أن الرجل قال كلمة حق صدقاً، عندما لم يجد تعريفاً آخر للانقلاب غير أنه انقلاب، ولم يجد وصفاً لشيء يمشي كالبطة ويصيح كالبطة، سوى أنه بطة، فالبطة بطة وإن غيّرت مشيتها!

* في ظل واقعنا المرير، ونحن لم نزل بعد رهناً لتحكم اللجنة الأمنية والطغاة والطامعين، نتقلب في العذاب بين أيدي الجلاّدين، وقد غدونا أشبه بفأر المختبر الذي يظل حبيس القفص، حيث تتنوع التجارب والألم واحد، ما أحوجنا اليوم إلى رجلٍ ( مكين )، يسمي الأشياء بأسمائها دونما مواربة أو مجاملة، ودون أن يخشى في الحق لجنة أمنية أو مليشيا أو غدر مجرم أو بطش طاغية!

* رجل يصف الوضيع بالوضاعة، والجبان بالجُبن، والمخادع بالخداع، والمنافق بالنفاق، والانتهازي بالانتهازية والمتسلِّق بالتسلُّق، والسمسار بالسمسرة، والمتاجِر بالمتاجَرة، والخائن بالخيانة، والعميل بالعمالة، والمرتزِق بالارتزاق، والغادر بالغدر، والسارق بالسرقة، والقاتل بالقتل، والمجرم بالإجرام!

* يصف الثعلب بالخبث، والحرباء بالنفاق، والحيّة بالحية، والمليشيا بالمليشيا مهما تغيّر اسمها وموقعها، ويصف السفاح بالسفاح وإن تقلد أعلى المناصب .. ويصف ما نحن فيه بأنه خطأ وقنبلة موقوتة حتماً ستنفجر في أي لحظة!

* إنّ تسمية الأشياء بأسمائها ليست من باب الشهرة أو التشهير والنيل من السمعة، ولكنه أمرٌ في غاية الأهمية، فهي خطوة ضرورية من أجل تشخيص الداء ووصف العلّة والعلاج الصحيح!

* لقد ظللنا ننتظر كثيراً ونترقب، ننظر بمنظار التفاؤل، ونرى بعين حسن الظن، ونأمل في أن نلمح بصيص ضوء في نهاية النفق المعتم رغم كل المَشاهد المُحبِطة، ولكن يبدو أن جميع فصول المسرحية تشبه بعضها!

* متى يخرج علينا أحدهم، علَناً، في ثوب رجلٍ ( أمين )، حتى وإن كان غير (مكين) ويخبرنا بموعد إسدال الستار على هذه التمثيلية العبثية التراجيدية سيئة الأداء والإخراج ، فقد مللنا المشاهدة، ومُلِئنا خيبةً وإحباطاً من حكم العسكر وسيطرة الجنرالات وهوان المدنية والمدنيين !
الواثق أحمد،
مواطن سوداني

قد يعجبك أيضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبولقراءة المزيد