صحيفة كورة سودانية الإلكترونية

حكومة والناس أهالي

52

حاطب ليل

د. عبداللطيف البوني

حكومة والناس أهالي

‏‏‏‏
)1(
مازالت لاصقة في ذهني )شَمطة( بين شقيقين من أعمامنا ونحن أطفال، حيث قال الكبير للصغير )والله إنت يا فلان مشيتك في الواطة دي غلط(، فأخذت أدقِّق النظر في طريقة مشية ذلك العم عسى ولَعلّ أن أبصر الخطأ في مَشيته، أي توقّفت عند المعنى الحرفي للعبارة، ولكن بمُرور الأيام كبرنا وكبرت أحزاننا، فوجدت نفسي استخدم ذات العبارة وبمعناها الحرفي في أبريل الماضي أيام استفحال أزمة المحروقات، إذ طالبت بإيقاف كل عربات الدفع الرباعي حتى ولو كانت خَاصّة مُراعاةً للأزمة، إذ لَحظت وللمُفارقة أنّ الشوارع تكاد تخلو إلا من تلك العربات لأنّ مُعظمها كانت حكومية.. فقلت مشية تلك العربات في الشارع غلط وأكبر غلط!
)2(
الراحل الزبير محمد صالح طَيّبَ الله ثراه له عبارة كان التلفزيون يُردِّدها كثيراً أيام الإنقاذ الأولى فحواها، إذا رأيتمونا ركبنا العَربات الفَارهة تَأكّدوا أنّنا قد فَسَدنا، ولكن فيما بعد كَفّ التلفزيون عن تَردديها.
أما القطب الإسلامي الراحل مُحمّد عثمان محجوب رحمة الله تَغشى قبره، والذي كَانَ أيام الجامعة يُلقّب براجل البركس، نقلت عنه الصُّحف قوله في مَسجد جامعة الخرطوم إنّه لحظ وبكثيرٍ من عدم الرضاء ظاهرة ركوب )إخواننا( للعربات الفارهة، واعتبر ذلك مُؤشِّر انحراف خطير.
عندما تَمّ ابتداع وظيفة المُعتمد في سنوات الإنقاذ الأولى وخُصّصت لهم عربات لاندكروزرات احتج بعض طُلاب الإسلاميين لدى قطب كبير جداً منهم على هذا البذخ فَرَدّ عليهم قائلاً: )يعني دايرين سَوّاق المُعتمد كل صباح ينادي الجيران, يا جماعة بالله إيدكم مَعَانَا ندفر عربية المُعتمد؟( طبعاً عرفتوا القطب دا من طريقة كلامه!
طلمبات مشروعي الحرقة ونور الدين تعطّلت لسنواتٍ، وفي يوم الافتتاح بعد الصيانة تَرَاصَت عربات الحكومة ذات الدفع الرباعي، فضحك الصينيون قائلين أي واحدة من هذه العربات كان يُمكن أن تحل مشكلة الطلمبات في يومها الأول.
)3(
مُناسبة الرميتين أعلاه، القرار الذي أصدره السّيّد رئيس الوزراء والخَاص بجمع العربات اللاندكروزرات من الدّستوريين، هذا القَرَار الذي تَأخّر كَثيراً لأنّه من الثّابت أنّ الحكومة هي المُستهلك الأكبر للوقود، لأنّ هذه العَربات تَشفط الوقود شَفطاً، بينما الوقود يَشفط الدُّولار شَفطاً، كَانَ يُمكن أن يمنح ذات الدستوريين عربات تُقلِّل تَكلفة الوقود إلى الربع.. ففي أيّام أزمة المَحروقات الأخيرة كَانت تلك العربات تتحاوم في الفَارغة ومَقدودة وحَاصدات القمح مُتوقِّفة من عدم الجازولين.. أمر هذه العربات لم يَتَوقّف عند الدستوريين الذين أصبحوا أكتر من الهَـم في القلب، بل أصبحت مُخَصّص وظيفة لقادة الخدمة العَامّة بشقيها المدني والعسكري، وَكَذَا تَوَسّعت الدولة في منح العربات غير ذات الدفع الرباعي لمنسوبيها فتنزّلت من الوظائف العُليا إلى الوسيطة وبعض الدنيا في المُؤسّسات ذات التجنيب، فأصبحت الدولة أكبر مالكٍ للسّيّارات، وأكبر مُستهلكٍ لقطع الغيار والوقود، وأكبر مُفسدٍ للخدمة العامّة.
)4(
القرار الصّائب المُتأخِّر الذي أصدره رئيس مجلس الوزراء الذي يَحد من استخدام تلك العَربات )العلوية( سوف يُواجه بعقباتٍ كَثيرةٍ عند التّنفيذ، فَهل سَيرجع النّقل المِيكانيكي الذي كَانت له الولاية على كُل عربات الدولة؟ وكلاء شراء تلك العَربات واسبيراتها وجلهم من )المُتمكِّنين( هَل سيتفرّجون على ردم هذا الجمام؟ قديماً قالوا الرضاعة ساهلة إلا صعبة الفطامة.. هذه العربات إذا تم جمعها هل ستُباع للقطاع الخاص أم يُعاد تصديرها؟ إذا بدأ التنفيذ بإيقاف تلك العربات و)تقريشها( فوراً وهذا هو الطبيعي، كيف سيُفرِّق )بوليس الحركة( بين الحكومية والخاصّة؟ هَل هُناك نِيّة لِتَوقيف كُلّ عَربات الدّفع الرُّباعي حتّى ولو كانت غير حكوميّة بحجة توفير الوقود؟ نتمنّى ذلك.

قد يعجبك أيضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبولقراءة المزيد