صحيفة كورة سودانية الإلكترونية

حميدتى فتى الرئاسة المدلل

21

 

حميدتى فتى الرئاسة المدلل

النور يوسف

فى سبعينات القرن الماضى
وإبان حكم الرئيس جعفر النميرى ،
كانت شرطة الإحتياطى المركزى قوة ضاربة ،
و باتت تشكل وضعاً مختلفاً بين وحدات الشرطة الأخرى ،
وتبعاً لذلك اختلفت نوعية الإختيار والتدريب والمهام والمرجعية ،
و عند وصول الرجل الحازم الفريق شرطة عبد اللطيف على إبراهيم الى قيادتها عمل على ( تجييش ) هذه الوحدة فصارت أقرب الى القوات المسلحة منها الى قوات الشرطة ، ومن ثم تجاوزت مهامها التعامل الشرطى المألوف مع مهددات الأمن وسبل منع الجريمة الى المشاركة فى العمليات العسكرية فى مواقع النزاع على امتداد القطر !!!!

إبان فترة قيادتة تم تنظيم مهرجان فى استاد الخرطوم
بمناسبة العيد السنوى لإنشاء الوحدة ،وهو تقليد من تقاليد الوحدات العسكرية لا الشرطية ، وشمل العرض استعراض مهارات التدريب ومدى جاهزية القوة واستعدادتها القتالية ،تمهيداً للطلب من الرئيس إعادة النظر فى تسليحها بما يناسب مهامها الجديده ،

وفى حين نال العرض استحسان كل الحضور كان لـ ( أب عاج ) رأي آخر !!
رفض مجرد الحديث عن تسليح جديد وقال جملته الشهيرة ( أنا مش حا أسمح بوجود جيشين فى البلد ) !!!!!!

ولو تتبعنا ملف القوة فى ليل الإنقاذ لوجدناه حالكاً مثله ،
ففى بداية الثورة وفى حربها الجهادية فى النصف الجنوبى من الوطن إعتمد النظام على مبدأ ( الأمة المقاتلة ) خلافاً لكل الدراسات الرصينة التى تقول بوجوب ترك المهمة لجيش محترف يؤدى دوره وفق عقيدته القتالية وتحت إشراف مباشر من سلطة الدولة السياسية ،

والعقيدة القتالية هى القناعة
التى تغمر بها المؤسسة العسكرية أفئدة أفرادها ،
وتجيب لهم على السؤال الكبير العريض لماذا أقاتل ؟؟
ولعل الجميع يذكر كيف كانت ( العقيدة القتالية ) محل نقاش عنيف قى مفاوضات نيفاشا ،

والإنقاذ منذ أن اتخذت خيار الحروب والدماء عملت على خلاف ذلك ،
فتكونت فرق ( الدبابين ) وقوات المجاهدين من الطلاب والمهنيين والموظفين فقاسموا الجيش مهامه ، مما جعل من تلك الشريحة العائدة من مواقع القتال لا تستشعر للجيش بقيمة ولا ترى له عليها من إمتياز ، بل تبجح بعض قادتها بأنهم أفضل من الجيش الرسمى إخلاصاً وولاءً وشجاعة ،،

ثم تمادت الإنقاذ الى أبعد من ذلك ،
وانتقلت ـ بغباء ـ الى مرحلة أكثر خطورة
وقامت بتكوين ما يشبه الجيوش كحالة ( الدعم السريع ) الماثلة أمامنا الآن ،
هذا النبت الشيطاني من القوات تماماً كالمارد الذى نخرجه من قمقمه ، ففى حين تعود القوات المسلحة الى إرثها وتاريخها العتيد ونظمها ولوائحها وعقيدتها القتالية تعود مثل هذه اقوات الى مزاج زعيمها ومركزه القبلى ونفوذه لدى الحكام ، يحركه الهوى وتسكنه المصالح ،

وبوصول قائد الدعم السريع ( حميدتى ) الى منصب نائب الرئيس فى بلد تزخر بالساسة والعلماء وقادة الفكر والرأى تكون البلاد قد دخلت فى أزمة بالغة التعقيد ، مظلمة الجوانب ومجهولة المآلات ، وغنى عن القول أن هذا الوصول ما كان له أن يحدث لولا أن عملت الانقاذ ومنذ وقت باكر على تدجين القوات المسلحة وتركيع قوات الشرطة وأدلجة جهاز المخابرات بكامله فلم تعد لهذه القوات قدرة فى ممارسة مهامها عند حدوث أى مهدد أمنى خطير ،

إجمالاً هذه قصة سيقف التاريخ كثيراً فى تفاصيلها وهى فى جوهرها توضح بجلاء بؤس الإنقاذ وتفاهة قادتها وقصر نظرهم فى قراءة الحاضر ورسم المستقبل ،

أزمة ( حميدتى ) فى المشهد السياسى الحالى ليست بعصية عن الحل ،
ولكنها تحتاج بشدة الى ممازجة بين الواقع والمفترض ، بين النظرية والتطبيق ،
تحتاج الى دراسة تستصحب مسببات ظهورها وتوضح كيفية معالجلة إفرازات لجمه وتحجيمه ، تحتاج الى خطوات محسوبة ( بدقة ) بعديداً عن شرعية الثورة أو حتى شرعية الدولة والدستور

وبالرغم من قناعتى الراسخة أن أى مواجهة عسكرية بين المؤسسة العسكرية والدعم السريع ـ والتى أتمنى ألا تحدث أبداً ـ هى محسومة بلا شك لصالح الجيش لإمتلاكه أسباب النصر وحيازته لأدوات التفوق ، فحسم الدعم السريع عسكرياً فى الظروف الطبيعية لن يحتاج لسوى بضع أيام ،،

غير أننى أقول أن المناداة ( بتفكيك ) هذه القوات دون وعى لما قد يترتب على ذلك ، هى بصوره أو أخرى مناداة لإغراق البلاد فى دوامة من العنف والموت وشلالات من الدماء !!!!!
ـــــــــــــــــــــــــ
النور يوسف
الرياض 2/5/2019 م

قد يعجبك أيضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبولقراءة المزيد