صحيفة كورة سودانية الإلكترونية

خطبة الجمعة

17

ساخر سبيل – الفاتح جبرا

خطبة الجمعة

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم اما بعد :

لابد ّأيها الّأحبة أنكم قد لاحظتم أن الّأيام قد صارت (ممحوقة) وان الوقت يمضي في سرعة لم نعهدها وان الأيام تتسابق تلو الأيام، وتلك سُنّة الله في كونه، أنّ أيام العمر تمضي سريعًا، وقد صرنا أقرب ما يكون إلى قيام السّاعة، لا سيّما وقد أخبر المصطفى الحبيب صلى الله عليه وسلم بأنّ من علامات الساعة تسارع الزمان، نسأل الله حُسْن الخاتمة.

وقد تنوّع النّاس في التعامل مع الزمان؛ فمن النّاس من يضيع عمره في البحث عن شهوة زائلة فانية، ومن الناس من يضيع عمره ووقته في مجالس اللعب واللهو ، ومن الناس من يعرف قيمة الوقت فيحدَّد هدفه، ويقوم ببذل كل ما يستطيع من عمل من اجل تحقيقه ، ولو كان هدفًا دنيويًّا كضروب التجارة .

اهتمّ الإسلام بالوقت وبيَّن أهميته، وذلك من خلال آيات من القرآن وأحاديث من السنة فالوقت ينقضي سريعًا، ولا يعود إذا ذهب، كما أنه لا يباع ولا يشترى، وهو أنفس ما يملكه الإنسان، ولذا ينبغي الاهتمام بشأنه، وعدم التراخي في استغلاله.

وقد جاء في الحديث ان من أول ما يُسْأل عنه العبد يوم القيامة، قال صلى الله عليه وسلّم: «لَا تَزُولُ قَدَمَا عَبْدٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ عُمُرِهِ فِيمَا أَفْنَاهُ….» [رواه الترمذي في سننه، بإسناد حسن صحيح].

كما أكد رسول الله صلى الله عليه وسلم على ضرورة اغتنام الوقت قبل فواته، قال عليه الصلاة والسلام: «اغْتَنِمْ خَمْسًا قَبْلَ خَمْسٍ: شَبَابَكَ قَبْلَ هِرَمِكَ، وَصِحَّتَكَ قَبْلَ سَقَمِكَ، وَغِنَاءَكَ قَبْلَ فَقْرِكَ، وَفَرَاغَكَ قَبْلَ شُغْلِكَ، وَحَيَاتَكَ قَبْلَ مَوْتِكَ» رواه الحاكم في المستدرك على الصحيحين، وقال عنه: «هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ».

ودعانا الحبيب المصطفى إلى المبادرة الدائمة في استغلال الأوقات والأعمار قبل حلول العواقب، قال صلى الله عليه وسلم: «بادروا بالأعمال سبعاً، هل تنتظرون إلا غنىً مطغياً، أو فقراً منسياً، أو مرضاً مفسداً، أو هرماً مفنداً، أو موتاً مجهزاً، أو الدجال فشر غائب ينتظر، أو الساعة، فالساعة أدهى وأمر».

أيها الاحبة :

لقد تعدّدت أسباب ضياع الأوقات في حياة النّاس، ولعل السبب الّأول والرئيس هو

عدم وجود أهداف أو خُطط للحياة أو ما يمكن أن نسميه بالعشوائيّة ، كمن يعيش في الدنيا ولا يعرف لنفسه هدفًا ولا يدرك لحياته قيمة، كهؤلاء الذين يعيشون في الدنيا لا هدف لهم إلا اللهو والطعام والشراب فكانت حياتهم أشبه بالحيوانات، قال تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الْأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوًى لَهُمْ ﴾ [سورة محمد: 12].

ايها الأحبة :

لقد كان السّلف الصّالح ومن سَارَ على دَرْبهم وطريقهم يبادِرُون إلى استغْلال أوقاتهم؛ لعلمهم بتسابق الأزمنة، وسرعة الدهر في الانقضاء، يقول ابن القيم -رحمه الله-: «ضياع الوقت أشدّ من الموت؛ لأنّ الموْت يحجبك عن النّاس، وضياع الوقت يحجبك عن الله والدّار الآخرة».

ويقول ابن عمر كما عند البخاري في صحيحه: «إِذَا أَمْسَيْتَ فَلاَ تَنْتَظِرِ الصَّبَاحَ، وَإِذَا أَصْبَحْتَ فَلاَ تَنْتَظِرِ المَسَاءَ، وَخُذْ مِنْ صِحَّتِكَ لِمَرَضِكَ، وَمِنْ حَيَاتِكَ لِمَوْتِكَ».

وقد قيل لملك زال عنه ملكه يومًا: ما الذي سلبك ملكك؟ فردّ قائلاً: تأخيري عمل اليوم إلى الغد. وتلك حكمة كنا نراها قديمًا ونحن صغار على الكراسات: “لا تؤجِّل عمل اليوم إلى الغد”.

أيها الأحبة :

لا شكّ أنّ الاستفادة بالوقت لها أثر عظيم في حياة الأُمم والأفراد ودونكم المجتمعات التي اهتمت باوقاتها ، لذلك لابد من الحِرْص على الاستفادة من الوقت وتنظيمه والتخطيط له، وتحديد الأولويات، ومحاسبة النّفس على التقصير

إِذَا كُنْتَ في قَوْمٍ فَصَاحِبْ خِيَارَهُم

وَلاَ تَصْحبِ الأردى فتردَى مَعَ الرَّدِي.

عَنِ المَرْءِ لاَ تَسْأَلْ وَسَلْ عَنْ قَرِينِهِ

فَكُلُّ قَرِينٍ بالْمُقَارَنِ يَقْتَدِي

وإشغال النفس بأعمال نافعة في كلّ وقت، كالتفقّه في الدّين، والسعي في قَضَاء حوائج النّاس، وإدراك أهمية الوقت، وتحديد الأهداف والأولويات، وضبْط المواعيد، والتخلّص من مضيّعات الوقت، كالتسويف والتأجيل، و (الواتساب) !

اللهم لا تدعنا في غمرة، ولا تأخذنا على غِرَّة، ولا تجعلنا من الغافلين وصلى الله على الحبيب المصطفى وعلى آله وصحبه وسلم .

قد يعجبك أيضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبولقراءة المزيد