صحيفة كورة سودانية الإلكترونية

خُرم النشنكة

21

للعطر افتضاح
د. مزمل أبوالقاسم
خُرم النشنكة

* إذا كان المؤرخون قد اختلفوا في تحديد هوية من كتب بيت الشعر الشهير (لا يَعرِفُ الشَوقَ إِلّا مَن يُكابِدُه.. وَلا الصَبابَةَ إِلّا مَن يُعانيها)، فإن المتابعين لأحوال الصحافة في العهد البائد يعرفون أنها كابدت الكبت والملاحقة واتهامات التخوين، وعوقبت بالمصادرة والحجب الكلي والجزئي، وبالرقابة القبلية والبعدية، والحرمان من الإعلان الحكومي، والإحالة إلى نيابات الجرائم الموجهة ضد الدولة والمحاكم بقضايا متتالية، رفعها جهاز الأمن ضد العديد من الصحف.
* ذلك بخلاف ما تعرض له الصحافيون أنفسهم من أذىً جسيم، إما بالاعتقال، أو المنع من الكتابة، لقطع الأرزاق، أو تكرار الاستدعاءات، وانتهاءً بالضرب المبرح، مثلما حدث للزميل المهندس عثمان ميرغني.
* تعرضت الصحافة لبطشٍ شديد، وتعددت الخطوط الحمراء الموضوعة أمامها، بعد أن انحصرت بادئ الأمر في الرئيس المخلوع ونوابه ومساعديه والجيش وجهاز الأمن، ثم تمددت لاحقاً لتشمل الأخبار الاجتماعية والفنية وأنباء الكوارث والأوبئة والأخبار المتصلة بالفساد، وكل ما لا يعجب رأس النظام البائد.
* كانوا يتركون الصحف تطبع كامل كمياتها، ثم يصادرونها قبل أن تخرج من المطابع، لمنعها من التوزيع، تعمداً للضرر والضرار، لتكبيدها خسائر مادية ضخمة، وصولاً إلى تركيعها بزرع الخوف في قلوب صحافييها وناشريها، ولعلنا نذكر كيف عوقبت أربع عشرة صحيفة بمصادرة جماعية في يومٍ واحد، بسبب خبر فني لا يشكل أي خطر على أمن الدولة.
* التنكيل بالصحافة لم يقتصر على الصحافيين، بل امتد إلى الناشرين، مثلما حدث للمهندس الطيب مصطفى، ناشر صحيفة (الصيحة) عقب إقدامها على نسب تهم فساد لوكيل وزارة العدل الأسبق.
* وقتها طافوا بالطيب ورئيس تحريره معظم النيابات والحراسات بما يشبه (الكعب الداير).. ذلك بخلاف التدخل للتأثير على علاقات الشركاء في بعض الصحف، مثلما حدث في (الانتباهة والتيار)، أما نحن في (اليوم التالي) فقد أصابتنا عقوبة تعليق الصدور إلى أجلٍ غير مسمى ذات مرة، وامتد الإيقاف قرابة الشهر، كما صودرنا عشرات المرات، وكان مصابنا هيناً بالمقارنة مع ما حدث للتيار وألوان، اللتين عطلتا قرابة العامين.
* التنكيل لم يقتصر على المعارضين والمشاغبين، بل امتد إلى المصنفين في زمرة الداعمين للإسلاميين، فتم اعتقال حسين خوجلي، وشمل تعليق الصدور والمصادرة صحيفة (المجهر السياسي) لناشرها الهندي عز الدين، وامتدت القبضة الأمنية الغاشمة للفضائيات، باستدعاءات متكررة للزميل الطاهر حسن التوم، المغضوب عليه من قبل الثوار.
* صديقنا الأستاذ فيصل محمد صالح وزير الصحافة والإعلام يعلم ما عانته الصحافة من عنتٍ وكبت وتضييق في العهد البائد، ويدرك أن قادته كانوا ينظرون إليها (بخرم النشنكة)، ويستهدفونها ويرتابون في كل ما تنشره، لذلك لم نستحسن إفراطه في لومها، وميله إلى إلحاقها بمن سحقوها، وتفننوا في إيذائها.
* (خرم النشنكة) لمن لا يعرفونه يمثل فتحةً توجد أعلى البندقية، وتستخدم في التصويب على الهدف، وقد صوب النظام البائد كل أجهزة أمنه وقمعه ناحية الصحافة، وألحق بها أذىً شديداً، استمرت تداعياته بعد سقوط النظام، بما يشبه (الأثر النفسي للإصابة) عند الرياضيين الذين يتعرضون لإعاقات مؤثرة، تجعلهم يخشون الالتحام بالخصوم حتى بعد أن يتعافوا كلياً منها.
* المزايدة على الصحافة بدمغ غالبها بموالاة النظام السابق غير مهضومة، لأن التنكيل الذي حاق بها لم (يفرز) مسانداً من معارض، ولا صليحاً من عدو، وفيصل سيد العارفين.

قد يعجبك أيضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبولقراءة المزيد