صحيفة كورة سودانية الإلكترونية

دعوة للتغافل

51

اندياح
داليا الياس
دعوة للتغافل


بعد يوم طويل وشاق من العمل وضعت أمي الطعام أمام أبي على الطاولة، وكان معه خبز محمص، لكن الخبز كان محروقاً تماماً.. فمد أبي يده إلى قطعة الخبز وابتسم لوالدتي!!. وواصل تفاصيله المعتادة، فسألني كيف كان يومي في المدرسة؟!!
لا أتذكر بماذا أجبته لكنني أتذكر أنني رأيته يدهن قطعة الخبز بالزبدة والمربى ويأكلها كلها..
عندما نهضت عن طاولة الطعام سمعت أمي تعتذر لأبي عن حرقها للخبز وهي تحمصه..
ولن أنسى رد أبي على اعتذار أمي.. حبيبتي: لا تكترثي بذلك، أنا أحب أحياناً أن آكل الخبز محمصاً زيادة عن اللزوم، وأن يكون به طعم الاحتراق..
وفي وقت لاحق من تلك الليلة عندما ذهبت لأقبل والدي قبلة )تصبح على خير( سألته إن كان حقاً يحب أن يتناول الخبز أحياناً محمصاً إلى درجة الاحتراق؟ فضمني إلى صدره وقال لي هذه الكلمات التي تحتاج إلى تأمل:
يا بنيتي أمك اليوم كان لديها عمل شاق وقد أصابها التعب والإرهاق.. وشيء آخر، أن قطعة من الخبز المحمص زيادة عن اللزوم أو حتى محترقة لن تضر حتى الموت..!!
أهدتني هذه القصة درساً في الإنسانية.. فالحياة مليئة بالأشياء الناقصة، وليس هناك شخص كامل لا عيب فيه.. ولكننا نظل مغرمين به ونحبه .
علينا أن نتعلم كيف نقبل النقص في بعض الأمور، وأن نتقبل عيوب الآخرين ونتعلم فن التعايش والتسامح..
وهذا من أهم الأمور في بناء العلاقات الإنسانية بمختلف أنواعها وجعلها قوية ومستديمة.
)خبز محمص محروق قليلاً لا يجب أن يكسر قلباً جميلاً(… كانت هذه هي خلاصة القصة وجوهرها. فليعذر الناس بعضهم بعضاً؛ وليتغافل كل منا ما استطاع عن الآخر؛ ولنترفع عن سفاسف الأمور..
يقول الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله: “تسعة أعشار حسن الخلق في التغافل”.. ويقول الحسن البصري رحمه الله: “ما زال التغافل من فعل الكرام”!
ونحن نحتاج كثيراً لهذا التغافل لنجنب أنفسنا مغبة الحنق والغضب ونمنح الآخرين الارتياح ونزرع بداخلهم الامتنان.
*منقول
تلويح:
أتغافل عن أحقادكم.. ليس ضعفاً في شخصيتي… ولكن ثقة بربي وذاتي … ورغبة في ثواب الكاظمين الغيظ.

قد يعجبك أيضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبولقراءة المزيد