صحيفة كورة سودانية الإلكترونية

دولة قانون !

11

حاطب ليل

د. عبد اللطيف البوني

دولة قانون !


)1(
الفرق بين الدولة المُتقدِّمة والدولة المُتخلِّفة )بلاش نامية(، هو أنّ الأولى دولة قانون، والثانية دولة اللا قانون ولا يعني هذا أنّ دولة اللا قانون ليست لديها قوانين مكتوبة، فكثيراً ما تكون دولة اللا قانون لديها دستورٌ يضج بالمباديء السّامية وتتفرّع عنه قوانين من أبدع ما يكون )يُغنِّي عليها سرور(، ولكنها مُجرّد نُصُوصٍ في الحفظ والصون, ينقصها التطبيق، فالقوانين في وادٍ والتطبيق في وادٍ آخر.
فإذاً، الفرق بين دولة القانون ودولة اللا قانون هو أنّ الأولى وضعت قوانينها لكي تحكم بها، والثانية وضعت قوانينها لكي تتباهى بها ثُمّ تحكم بالهوى بشَتّى أنواعه والمَزاج، ففي دولة القانون نجد القانون يقف على مسافةٍ واحدةٍ من كل الناس، بينما في دولة اللا قانون نجد القانون مَطيةً يتحكّم فيها بعض الأفراد, القانون يغيب ويظهر على حسب قُوّة الشّخص.
تَظل دَولة القانون مَطلب كُل الشعب، لأنّه متى ما سَادَ القانون فالكل سيكون مُطمئناً على حُقُوقه، ومتى ما اطمأن الشخص على حُقُوقه سَوف يُؤدِّي واجبه كَمَا ينبغي، وعلى العكس تماماً متى ما غمض الشخص حقه سوف يتقاعس عن أداء واجبه، وعندما يعُمّ التقاعس يسود التخلُّف.. فإذاً شرط النماء والتطور لأية دولة هو أن يحكمها القانون ولا شيءٌ غير القانون.
)2(
عندما يصبح بعض الأفراد فوق القانون، تسود الفوضى حيث القوي يأكل الضعيف )قانون الغَاب( وهنا تضيع الدولة، وهَذا شَيءٌ مَعلومٌ للجَميع.. ونظرياً تَجَاوزت البشريّة هذه المَرحلة، ولكن عَمليّاً مازالت هُناك ثَغراتٌ يظهر منها قانون الغَاب، حيث يتقوّى بعض الأفراد بالمنصب ويصدرون قرارات وتصبح قانوناً مُلـزماً للناس، بينما هذه القرارات ليس لها أيِّ سندٍ من القانون إنّما بقُوة المنصب فقط.
بعيداً عن التجريد نأخذ أمثلة لذلك، فقبل حوالي عامين أصدر مدير الحج والعُمرة قراراً بإيقاف إجراءات العُمرة لعدة أيّامٍ، لأنّه كان في خِلافٍ مع البرلمان هذا القرار لا يُوجد له أيِّ سندٍ من القانون ومع ذلك تَمّ تطبيقه، فتوقّفت مصالح الناس دُون أن يُخضع ذلك المُدير لأية مُساءلة..!
قبل حوالي عامين كذلك، أصدر مُعتمد الخرطوم قراراً بتفريغ شارع النيل من ستات الشاي والمُروِّحين كَافّة مساءً، فبعد أن كان ذلك الشارع يَعُج بالحياة والأنس والتّرفيه، أصبح قَاعَاً صفصفاً، وحجّته في ذلك أنّ هناك فساداً أخلاقياً قد عَـمّ ذلك الشارع!! الآن جاء مُعتمدٌ جَديدٌ وقَرّرَ إعادة الحياة لذلك الشارع.. فهل هذا المُعتمد من مُروِّجي الفساد؟!
مَسؤولٌ في وزارة البترول، أصدر قراراً بإلغاء كُوتة الغاز التي تخرج من مُستودعات الخرطوم وتذهب إلى مناطق الجزيرة المُتاخمة للخرطوم وبذلك ألغى قراراً سابقاً كان مُطبّقاً وبمُوجب القرار الجديد يصبح مُواطن بتري التي تبعد عن الخرطوم بعشرين كيلو متراً يأخذ غازه من مدني التي تبعد مائة وثمانين كيلو متراً.
)3(
ما ذكرناه أعلاه، مُجرّد أمثلة ومن مناصب وَسيطة، ولم نتطرّق لمَناصب عُليا ولكنها كَفِيلَةٌ بهزيمة دولة القانون وكَشف ما نحن فيه من عدم حصانة من الأحكام المَزاجية، وتكشف الغياب التّام للمُؤسّسات التي كَانَ ينبغي أن تضمن تَطبيق القانون، ويكفي مثالاً لذلك أنّ ولاية الجزيرة تعمل ولمدة عامين بدون أيِّ مجلس تشريعي، فعندما كان يعمل لم يشعر به أحدٌ، وعندما غَابَ لم يشعر به أحدٌ.. ودُقِّي يَا مَزِيكَا..!

قد يعجبك أيضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبولقراءة المزيد