صحيفة كورة سودانية الإلكترونية

راستات واقفين قنا..

81

فيض وانحسار

حواء رحمة

راستات واقفين قنا..

كان يا مكان لما حكومة الإنقاذ المخلوعة قاعدة ومتحكرة؛ كان يخرج بعض مسؤوليها ويوجهون الشتائم للشعب السوداني المسالم الذي اتخذ طريق السلمية لتحقيق مطالبه المشروعة. كان الاعتراف بمصطلحات الشارع والسوق والمجتمعات البسيطة والشرائح المهمشة، أمرًا يبدو بعيد المنال، إلا أن (الشفوت والراساتات والكنداكات) عملوا على إنزال هذه المصطلحات البسيطة المعبرة عن مطالب الشارع بلغة الشارع وتلك المكونات في خطوة ذكية لنيل الاحترافية واحترام الخصم، فكانت المنشورات والمخاطبات والبوستات والتغريدات التي يتم نشرها عبر مواقع التواصل الاجتماعي قد أخذت رواجًا كبيرًا وقبولا وارتياحًا في الشارع العام، بل وجدت طريقها لفنيات التخاطب داخليًا وخارجيًّا.
لم يكن مدهشًا أن يخاطب رئيس المجلس العسكري الشعب السوداني عبر القنوات الفضائية بلغة الرندوك ويردد تلك المصطلحات المحببة للثوار الذين علَّموا الآخرين كيف أن يحترموا قناعاتهم ومبدأ التغيير وتحقيق الأهداف بالطريقة التي يعيشونها في حياتهم اليومية دون استخدام فلسفة المعاجم وكتب العلوم السياسية، والذين ينظرون إلى التغيير بمنظار محدود لا يتعدى الحصول على منصب. لقد كانت الثورة التي قادها الشباب كاملة الدسم تستحق الانتصار وأن يحتفي حتى القادة بشعاراتها وتسمياتها الميدانية (الراستات، الشفاته، والواقفين قنا، والأصليين، والمفتحين، وأصحاب الرصة والمنصة) وكل ما يحلو لهم أن يرددوه في تلك الساحات التي جمعتهم.
مازال الراستات واقفين قنا سيستمرون في الوقوف (قنا) مساهريين مفتحين عين نايمة وعين صاحية لحراسة ثورتهم التي خرجوا من أجل تحقيق أحلامهم عبرها، انتصرت أولا حينما اقتلعت النظام البائد، وانتصرت حينما لم تستسلم رغم الرصاص والموت، التعذيب الترهيب، لذا لا عجب أن يتحدث رئيس المجلس العسكري بلغة (الرندوك والراستات والشفاتة) فهذا الشعب الذي ذاق ألوان العذاب على يد النظام الهالك قد خبر الدروب جيدًا وسلك طريقًا يمثله تمامًا، لذا كانت لغة خطابه التي تجد استهجانًا وسخرية من رموز النظام الهالك، قد اختار ذات اللغة وذات المخاطبات المجتمعة البسيطة ليهتف بها في الميادين ويرفع صوته عاليًا: “نحن الراستات واقفين قنا”.
مادامت لغة الراستات تصلح لأن يخاطب بها في مقابلات ومؤتمرات صحفية أمام كاميرات العالم، فلماذا تم مسح ما خطه الثوار ورسمه الشفاتة على حوائط الشوارع وواجهات الطريق المؤدية إلى العاصمة المثلثة، في أكبر حملة تخريب أخلاقية في تاريخ الثورات الوطنية، فكل مدينة تم تحريرها من قبضة نظام متشدد يحتفظ الوطنيون من أبنائها بمعالمها وأنفاسها وروحها ورائحتها، إلا أن ما حدث من حملة مسح وتشوية لما خطه الثوار كان فضيحة كبيرة بل سلوكًا محزنًا في الوقت الذي كان الشارع السوداني يغالب فيه جراحات فض الاعتصام الوحشية.

قد يعجبك أيضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبولقراءة المزيد