صحيفة كورة سودانية الإلكترونية

رقم وطني أم وطن رقمي !!

9

حديث المدينة
عثمان ميرغني
رقم وطني أم وطن رقمي !!


كتبتُ هنا قبل يومين عن )رقمنة الديموقراطية( أو الـ
E-Democracy أو الديموقراطية الإلكترونية.. وقلتُ إنَّ مُتغيِّرات العصر والتقدم الهائل في تكنولوجيا الاتصالات، تستوجب إعادة النظر في المصطلحات التقليدية وإعادة إنتاجها بما يتسق مع واقع اليوم..
وكتبتُ هنا أنَّ رقمنة الديموقراطية لا تعني ميكنة عملية الاقتراع في الانتخابات فحسب.. فهذه محض وسيلة صناعية بديلاً لعمل يدوي.. لكن رقمنة الديموقراطية تعني إعادة توصيف علاقة الشراكة بين الحاكم والمحكوم، بما يخدم التفاعل وصناعة القرار لترفيع مبادئ الشفافية والمحاسبة والمسؤولية..
المواطن: أي مواطن ممثل إلكترونياً بصورة فردية وجماعية، فهو فردياً )رقم وطني( متميز Unique
وجماعياً هو نغمة في سيمفونية الوطن، يستطيع أحياناً أن يكون نغماً متفرداً Solo ولكن في الإيقاع العام للحن الوطن القومي..
هذا المواطن هو )وحدة قياس( الوطن.. فالسودان الذي يبلغ تعداد سكانه 30 مليون يمثل فيه كل مواطن وحدة قياس تحدد الناتج النهائي من الطموحات في مقابل المطلوبات.. وتمنح وحدة القياس تدرجاً رقمياً يحدد الإنجاز في مقابل الإخفاق أو العجز..
مثلاً.. في مجال التعليم.. مستوى المعرفة العام لمجموع المواطنين هو خلاصة التعليم الذي يحصل عليه الجميع.. ويقاس الإنجاز كلما ارتفع )الناتج العام( على مستوى الوطن كله.. فنتائج الشهادة الثانوية السودانية لا تُقرأ وفق إحصاءات الناجحين في مقابل الراسبين، بل بمجموع الناتج من درجات الناجحين والراسبين معاً بفرضية أنَّ الراسب نفسه بما حصل عليه من درجات يحدد مستوى )المعرفة( في السياق العام..
فمثلاً: إذا حققت الشهادة السودانية نسبة نجاح 75% فهذا لا يعني شيئاً بدون قراءة تفاصيل أرقام الراسبين.. فلو نجح 60% فقط وكان رسوب الـ40% الباقين بدرجات قريبة من مستوى النجاح، فهذا أفضل من نجاح 80% مع تدني درجات الـ20% الباقين.. لأنَّ القياس بإجمالي محصول الدرجات..
وبوجه آخر.. رسوب 10% فقط من مجموع 500 ألف يعني رسوب 50 ألف وهو رقم لا يمكن قراءته من خلال النسبة المئوية من الإجمالي، لأنَّه كبير جداً بمقياسه المباشر المتصل بالطلاب فرادىsolo..
تكنولوجيا اليوم توفر للطالب السوداني هنا في الخرطوم أو حتى في أية مدينة بعيدة، المعارف ذاتها التي تتوفر لطالب في جامعة هارفارد الشهيرة، لكن الإحساس القومي بالانحطاط الحضاري يحبط الهمة لبلوغ مراقي خريج هارفارد، فيكون الخلل توهماً نفسياً لا حقيقة.
وكذلك الصحة وبقية المعطيات المرتبطة بالإنسان مباشرة.. للدرجة التي تتغول حتى قياس مستوى الرضاء القومي لجميع المواطنين.
في الديموقراطية التقليدية )السائدة في عالم اليوم( غالباً تؤخذ القياسات على مستوى جمعي.. من مبدأ أنَّ الأغلبية تقرر المسار والمصير.. وهو مبدأ تقليدي فرضه شح القدرة على التفاعل مع المواطن في السياق الفردي.. فيظل الهاجس دائماً التقصي حول )ميول( المواطنين عامة.. أشبه بخدمة الركاب في الطائرة، فحرية الاختيار محكومة بما هو متوفر في قائمة الطعام التي حددتها شركة الطيران مسبقاً من قياس عام لميول الركاب عموماً.
لكن عالم اليوم الذي وفر وسائل الاتصال الفوري على مستوى فردي وشبكي، يحتم ضرورة تطوير أدوات الديموقراطية لتتعمق في تفاصيل المكون البشري للبلاد لدرجة ضبط التعامل الفردي المباشرsolo في سياق جمعي قومي..
ولا يزال الموضوع يحتاج إلى تفاصيل.. نعود إليها لاحقاً بإذن الله.

قد يعجبك أيضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبولقراءة المزيد