صحيفة كورة سودانية الإلكترونية

شتان بين الأقوال والأفعال

13

للعطر افتضاح

د. مزمل أبوالقاسم

شتان بين الأقوال والأفعال

* ليسمح لي الزميل الحبيب ضياء الدين بلال بالاختلاف معه حول ما كتبه عن تغير موازين القُوى بين المجلس العسكري و(الحرية والتغيير)، بزعم أن قُوى الثورة أخطأت بترك عصفور اليد، ومطاردة عصفور الشجرة، عندما رفضت ما عرضه عليها المجلس، الذي كسب – بحسب ضياء – أراضي جديدة، وتخفَّف من الضغوط التي كانت تحيط به سابقاً.
* قُوى التغيير لا تتعامل مع معطيات الواقع السياسي بحسابات الربح والخسارة للمناصب، ولو فعلت ذلك لما اختلف نهجها عن نهج أحزاب الفكة التي تحالف معها المؤتمر الوطني فما أغنت عنه شيئاً، ولأشبهت تلك المكونات الهلامية الهزيلة في الركون إلى محاصصاتٍ حزبية واهنة، أفسدت الحياة السياسية، ودمرت الاقتصاد، ووأدت سلطة الإنقاذ.
* القوى الثورية محكومة بإعلان مُلزم، وقَّعت عليه في بدايات الثورة، فوضع على عاتقها التزاماتٍ لا يجوز لها أن تحيد عنها، وأولها أن تستخدم كل أشكال النضال السلمي للتخلص من النظام السابق وإرثه السالب، مع إعادة بناء وتطوير المنظومة الحقوقية والعدلية، لضمان سيادة حكم القانون، فهل كان الاتفاق المعروض عليها سيحقق لها تلك الأهداف؟
* بل هل كان اتفاق (العطا – مدني) قابلاً للتنفيذ في الأصل أخي ضياء؟
* ألم تسمع ما قاله الشيخ عبد الحي يوسف في اليوم التالي للاتفاق، عندما صرَّح معلناً أن بعض قادة المجلس العسكري اتصلوا به، وأكدوا له رفضهم للاتفاق، وتنصلهم منه؟
* ألم تتابع الدعم الكبير الذي حصل عليه تيار نُصرة الشريعة كي ينظم إفطاره الرمضاني الشهير، رفضاً للاتفاق بعد 48 ساعة من إشهاره؟
* فوق ذلك أختلف مع الحبيب ضياء في ما ادعاه عن أن (الهوا قلب) لصالح المجلس.
* مجريات الأمور تشير إلى أن المجلس العسكري يعاني من أزمة لا تخطئها عين، لأن المجتمع الدولي يرفض الاعتراف بشرعيته، كما أنه لا يتمتع بدعم حقيقي من أي قوى سياسية أو جماهيرية مؤثرة على المستوى المحلي، خلافاً لقوى الحرية والتغيير، التي تشكل أحد أكبر التحالفات السياسية والجماهيرية في تاريخ السودان الحديث.
* للوصول إلى معادلة معقولة في الوزن السياسي والجماهيري مع قوى التغيير استعان المجلس ببعض مكونات الإدارة الأهلية، وحاول استقطاب قيادات شبابية كانت تنتمي إلى قوى الثورة، واستنصر بالنقابات التابعة للنظام المقبور، ومع ذلك ما زالت الشقَّة بعيدة بينه وقوى الثورة، التي تمتلك تأثيراً حقيقياً، وقبولاً طاغياً في الشارع الثائر.
* المجلس معزول شعبياً، ومتخبط سياسياً، ومتخوف من التبعات القانونية لمذبحة فض الاعتصام، والدليل على ذلك إقدامه على قطع خدمة الإنترنت، لأكثر من أسبوعين.
* على المجلس أن يكف عن المكابرة، ويدرك أن ما حدث في السودان مؤخراً يشكل ثورة حقيقية، فجَّرها شباب آمن بقضيته، وضحى بدمائه ثمناً لبلوغ غاياته، وأن محاولات الالتفاف على تطلعات الشعب الثائر ستؤول إلى عدم، وسيدفع السودان ثمنها تنازعاً وتمزقاً واحتراباً وهدراً للزمن في ما لا يفيد الوطن.
* كل ما سيحصده المجلس العسكري من تمترسه على مواقفه المتعنتة ينحصر في التأكيد على أنه لا ينتمي إلى هذه الثورة، وغير مؤمن بها، وساعٍ إلى الإحاطة بها، ومحاصرة مدها الهادر، طمعاً في الاستثئار بالسلطة.
* بلوغ تلك الغاية صعب، إن لم يكن مستحيلاً، قياساً بما حدث على مدار سبعة أشهر من النضال السلمي، والصمود الأسطوري، والرغبة العارمة في التغيير.
* الخاسر الأول من ما يحدث حالياً هو المجلس العسكري، الذي فقد تعاطف من توسموا فيه الخير، وصدقوا حديث قادته عن انحيازهم إلى الثورة، وعدم رغبتهم في الاحتفاظ بالسلطة، لأن أفعالهم لا تتسق مع أفعالهم.. مطلقاً.

قد يعجبك أيضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبولقراءة المزيد