صحيفة كورة سودانية الإلكترونية

(عاجلاً)

8

إليكم

الطاهر ساتي

(عاجلاً)

:: ليس مناطق شمال وجنوب الخرطوم وحدها، بل كثيرة هي مناطق السودان المنكوبة بالسيول والأمطار منذ أسابيع، ولكن السلطات والإعلام ومجالس الناس يشغلها التشكيل الحكومي المرتقب، وليس أحوال المنكوبين ودموع الأسر التي فقدت بعض أفرادها.. ويوم الخميس الفائت، أعلنت وزارة الصحة عن وفاة ما يقارب الخمسين مواطنا، وأن كل ولايات السودان تأثرت بالأمطار والسيول والفيضان، وأن هناك الآلاف من المنازل قد جرفتها السيول والفيضان.
:: وبما أن الخريف في البدايات، فعلينا ترقب الكورث ثم التحسب لها.. تعريف الكارثة هو أي حدث مأساوي يخلف خسائر بشرية أو مادية، وليس بالضرورة أن تكون هناك خسائر بشرية ليسمى الحدث المأساوي بالكارثة، فالخسائر المادية تكفي ليكتسب الحدث الماساوي وصف (الكارثة).. وعليه، ناهيكم عن ضحايا سيول وأمطار هذا العام، وقد بلغ عددهم (46 مواطنا)، رحمهم الله، وما هم إلا بعض أفراد رعية حياتها قاب قوسين أو أدنى من الموت.
:: نعم، منذ استقلال بلادنا وحتى عام هذه الثورة، فإن قدر المواطن في بلادنا إن لم يمت بماء السيل مات بنار الحرب أو برصاص العسكر، والحمد لله على كل حال.. واليوم، فمع الموت، بلغت مآسي أمطار وسيول هذا الخريف بمعظم ولايات السودان مقاما صار فيه طموح بعض الأسر فقط امتلاك (مشمع وبطانية).. نعم، فالكارثة ليست هي الأمطار والسيول التي أرسلها قضاء الله الذي يؤمن به أهل السودان، بل هي إدارة أجهزة الدولة لمخاطر السيول والأمطار بشكل (غير لائق).
:: فالأجهزة هي الكارثة الكبرى، وليس القضاء والقدر، وإصلاح هذه الأجهزة بحاجة إلى كثير جهد من حكومة الثورة، فلتكن قوى الحرية والتغيير على قدر التحدي والأمل.. والعلم الذي عرف الكارثة بالحدث المأساوي، لم يغفل عن تصنيفها.. هناك كارثة طبيعية، ومنها السيول والأمطار، وهناك كارثة من صنع الإنسان، ومنها العجز والفشل.. ومن تجرفهم السيول، وتهدم منازلهم الأمطار، هم الذين يدفعون ثمن كوارث صنعتها السلطات، وهي كوارث العجز والفشل.
:: قرى بأكملها في مجاري السيول، بعلم وتوزيع السلطات، وهذه هي الكارثة التي صنعتها الأجهزة ثم تنسبها للقضاء والقدر.. وشوارع المدن وأنفاقها وميادينها تحتفظ بمياه الأمطار لحين التبخر أو التسرب إلى جدران المنازل، وهذه هي الكارثة التي صنعتها الأجهزة ثم تنسبها للقضاء والقدر.. وتُفاجأ القرى والمدائن بالسيول القادمة من بعد آلاف الأميال لجهل السلطات أو تجاهلها تكنلوجيا الإنذار المبكر، والجهل والتجاهل هما الكارثة التي صنعتها الأجهزة ثم تنسبها للقضاء والقدر.
:: وتتمزق الطرق كما الأوراق، وطريق الصادرات نموذجا، وتنهار الجسور قبل أن يكتمل العام عمراً لسوء التنفيذ، وهذه التي الكارثة التي صنعتها أجهزة الدولة ثم تنسبها للقضاء والقدر.. وهكذا الكوارث في بلادنا. كان خلف كل كارثة جهل مسؤول أو عجز مسؤول أو فشل مسؤول أو فساد مسؤول.. وأقدار السماء أسمى وأنقى وأطهر من أن نصفها بصفات العجز والفشل والجهل والفساد.. إذ تلك صفات بشرية، وللأسف هي التي تسري كالدم في مفاصل الدولة التي يجب تطهيرها (عاجلا)، بحيث لا يكون فيها عاجز أو فاشل أو فاسد.

قد يعجبك أيضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبولقراءة المزيد