صحيفة كورة سودانية الإلكترونية

عقلية تبرير القتل

7

للعطر افتضاح
د. مزمل أبو القاسم

* توقعنا أن يشكِّل البيان الخطير الذي أصدره المتحدث الرسمي باسم المجلس العسكري حول أحداث مدينة الأبُيض حداً فاصلاً بين الجد والهزل،
وأن يؤدي إلى صيانة الدم السوداني من الهدر، وحفظ أرواح الأبرياء من الضياع، ليشكل رادعاً لكل نظاميٍ تسوِّل له نفسه الضغط على الزناد، لضرب أي مواطن بالرصاص.
* توقعنا ذلك، وازددنا توهماً بأن قوة مفردات البيان، ومعدل الشفافية الذي حواه، وصرامة الإجراءات التي اتخذها المجلس العسكري ضد المتهمين بقتل شهداء الأبيض ستوقف مسلسل القتل المجاني، سيما بعد أن شملت والي الولاية نفسه، وهو ضابط عظيم برتبة لواء.
* توهمنا أننا لن نسمع مرةً أخرى بأن مواطناً أعزل قُتل رمياً برصاص من يفترض أنهم يعملون في الأصل لحماية المواطنين، لكن سرعان ما تبيَّن لنا أننا مخطئون، بعد أن صكَّ سمعنا نبأ قتل أحد المتظاهرين رمياً بالرصاص بيد رجل شرطة في مدينة دنقلا.
* تعاظمت المصيبة، وازداد والوجع، عندما طالعنا البيان الصادر من المكتب الإعلامي للشرطة عن الواقعة، وعهدنا بتلك البيانات أنها كثيراً ما تهدر العدالة، وتدلس الحقائق، وتميل إلى إدانة القتلى، وتبرئة القَتلة قبل أن تشرع النيابة في التحقيق معهم، متى ما كان الجاني شرطياً في الخدمة، مثلما حدث في واقعة قتيل شارع النيل الشهيرة.
* انظروا بالله عليكم إلى البيان الصادر من المكتب الصحافي للشرطة عن الحادثة، لتروا كيف اجتهد في توفير المسوغات التي تبرر إطلاق النار على متظاهرٍ أعزل، بالحديث عن حوادث الحرق والتخريب التي صاحبت الجريمة المنكرة، وعن إطلاق النار في الهواء وعلى الأرض، وإصابة القتيل (بشظية)، مع تمام العلم بأن شهيد دنقلا الجديد قُتل رمياً بالرصاص!
* ذكر البيان ما يلي: (إزاء المقاومة الشديدة واستخدام الحجارة من قبل المواطنين مما أدى لإصابة عدد من أفراد التأمين، تم استخدام الغاز المسيل للدموع، ونتيجةً لإصرار المواطنين على اقتحام المبنى قام الجندى شرطة “ب أ م” بأطلاق عيار نارى فى الهواء وآخر فى الأرض، نتجت عنه شظايا أصابت المواطن “ي س م” مما أدى الى وفاته)!
* ألا يذكركم هذا البيان الفج ما صدر عن لجنة التحقيق التي كونها النائب العام في أحداث فض الاعتصام؟
* لم يكن مطلوباً من المكتب الصحافي للشرطة أن يخوض في ملابسات ومسببات ودوافع وتفاصيل الواقعة، التي تشكل في مجملها جريمة قتلٍ، لأن ذلك الأمر متروك بالضرورة إلى النيابة، التي تمتلك كامل الحق والقدرة على استجلاء التفاصيل، وتحديد كيفية حدوث الجريمة، والدوافع التي تسببت فيها، قبل أن تحدد المادة التي تناسبها من القانون.
* الحديث عن إصابة القتيل (بشظايا) يمثل عين الاستخفاف بالعقول، لأن الشرطي المتورط في الحادثة لم يستخدم دانة دبابة، ولا قنبلة يدوية لإصابة الضحية، بقدر ما استعان بسلاحه الشخصي، ونوعه معلوم للكافة.
* كان على المكتب الصحافي للشرطة أن يقتفي أثر المجلس العسكري، ويكتفي بسرد الواقعة بأقل عدد من الكلمات، ويعلن توقيف المتهم وحبسه على ذمة التحقيق، ليترك أمره إلى القضاء، كي يقول كلمته العادلة فيه.
* العقلية التبريرية القميئة لجرائم القتل التي تحدث بأيدي نظاميين ينبغي أن تؤول إلى زوال في العهد الجديد، سيما من الشرطة، التي يشهد لها تاريخها الناصع بأنها ظلت حامياً للشعب، وخادماً له، وحارساً أميناً للأنفس والممتلكات لعشرات السنوات.
* الشرطة في خدمة الشعب، والشعب هو الذي يدفع مرتباتها ومخصصاتها من ضرائبه ورسومه، خصماً على قوت أبنائه، وبالتالي تصبح حمايته ومنع إراقة دماء أبنائه من أوجب واجبات الشرطة.
* كل نظاميٍ تسول له نفسه بأن يستخدم سلاحه الناري لقتل مواطنٍ أعزل ينبغي يوقف ويحاكم ولا يحظى بأي تعاطفٍ أو حماية، ليقتصر دور القوة التي ينتمي إليها على تقديم العون القانوني له أثناء التحقيقات والمحاكمة لا أكثر.
* أوقفوا هذه البيانات غير المسئولة، وأوقفوا قبلها مسلسل القتل المجاني للمواطنين العُزَّل.

قد يعجبك أيضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبولقراءة المزيد