صحيفة كورة سودانية الإلكترونية

فلتكـن آخـر الثّـورات

8

حاطب ليل

عبد اللطيف البوني

فلتكـن آخـر الثّـورات

(1)
تَطربنا جداً مَقولة إنّ الشَّعب السُّوداني صَانع الثورات، بدليل أنّه استطاع منذ استقلاله إنجاز ثَلاث ثَورات شعبية ضد أنظمة عسكرية مُستبدّة، وهُو فعلاً إنجازٌ يُحمد لهذا الشعب لأنّه يَدل على عَدم الاستكانة وعَدم الاستسلام للواقع غير المَرضِي عنه، فالشعب الذي يتعايش مع الفَساد والاستبداد هو شَعبٌ مَيِّتٌ لا يستحق حتى النعي.. ولكن يبقى السُّؤال مَاذا فَعلنا نحن السُّودانيين بهذه الثورات، هل ملأنا حياتنا حُريةً وسلاماً وعدلاً بعد أن مُلئت ظُلماً وجُوراً وفَساداً؟ لا بل أكثر من ذلك يثُور السُّؤال ألا تدل كَثرة الثّورات عَلَى الإخفَـاق لأنّه لو نَجحت الثّورة الأولى لما احتجنا لإعادتها، ثُمّ نذهب إلى أبعد من ذلك ونُقارن أنفسنا بالدُّول الّتي أنجزت ثورة واحدة أو لم تنجز ولا ثورة، وكَانَ كُلِّ نهجها السِّياسي إصلاحياً، فأين نقف منها بمعايير النّماء الاقتصادي والتّقدُّم المَادي؟ الذي أود أن أصل إليه هُنا هو أنّ الثورة عملٌ عظيمٌ وإنجازٌ يُحسب للشّعب الذي قَامَ بها، ولكنها في النهاية وسيلةٌ وليست غايةً، فإذا اعتبرنا أنّ الثورة غاية في حدِّ ذاتها تبقى (العوجَـة هنـا)..!
(2)
في مؤتمر باندونق 1955 للدول الآسيوية والأفريقية الخارجة لتوِّها من الاستعمار، والذي مثل فيه السُّودان السيد إسماعيل الأزهري بعد رفضه للجلوس مع الوفد المصري خلف عبد الناصر، خاطب الرؤساء الزعيم الهندي جواهر لال نهرو قائلاً لهم: ما أسهل التحرير وما أصعب التّعمير لأنّه بعد خُرُوج المُستعمر سوف تتنطّط كل الشياطين التي كَانَ يُصَفِّدها الاستعمار وتمنعكم من التّعمير، وسَوف تحِـن شُعُوبكم لعهد الاستعمار، ولتجنُّب ذلك ضعوا مشاريع وطنية للنُّهُوض بأوطانكم واشتغلوا عليها.
عَادَ الأزهري بعد أن وَضَعَ اللبنة الأولى لاستقلال السودان ودخل به منظومة عدم الانحياز، ولكن ظلّت العقرب في نتّحيها فكان التّحَرُّر والوطني دُون مشروعٍ قومي، وجلس الوطني على كرسي الأجنبي فكانت لعبة الكراسي، ثُمّ العسكر، ثُمّ ثورة أكتوبر 1964 المجيدة، ثُمّ الليبرالية غير المُرشدة، ثُمّ العَسكر، ثُمّ ثَورة أبـريـل 1985، ثُمّ الديمقراطية الثالثة (أكان شَالها كلب ما نقول ليهو جَـر)، ثُمّ العسكر (العينة) فكانت (تسقط بس).. وهَا هِي ثَورة ديسمبر المجيدة تسعى بيننا مقطوعة الأنفاس وبقية القصة المعروفة..!
(3)
دعونا أولاً نسأل الله تعالى أن يقيل ثورتنا هذه من عثرتها وتقف على أرجلها، وبعد ذلك دعونا نرفع شعار ثورة ديسمبر 2019 هي آخر الثورات، ونستأذن أستاذنا هاشم صديق الذي قال (ولسّه بنقسم يا أكتوبر لما يظل في فجرنا ظالم.. نحمي شعار الثورة نقاوم)، لتكون (نحن بنقسم يا ديسمبر) أن نبني ونُعمِّر وننهض حتى لا يطل في فجرنا ظالـمٌ.
أيُّها الناس نحن في حاجةٍ لمشروعٍ قومي نَهضوي كبيرٍ موضوع بعناية يخرج بلادنا من وهـدتها، ويُنظِّم تداوُل السُّلطة لينتهي الصِّـراع حولها إلى الأبـد، ويُمكن أن نَبـدأ هذا من اليوم وذلك بأن تكون الحكومة القادمة (إذا أراد الله لها الظهور أن تكون حكومة برنامج وليس حكومة مُحاصَصة, حُكومة لديها بَرنامجٌ واضِحٌ فيما يختص بالاقتصاد والعدالة الاجتماعيّة والسَّلام والمُحاسبية، حكومة يقوم عليها تكنوقراط يتحلّون بالوعي السِّياسي وليس لديهم أيِّ انتماءٍ حزبي لا من قريب ولا من بعيد، أي لا بالدوغري ولا باللفة، بالدوغوري أن يكون قد انتظم في يومٍ ما في حزبٍ.. أمّا باللفة أن يكون كارهاً لحزبٍ ما كراهية التحريم، فهذا شَكلٌ من الانتماء السلبي.. يا جماعة الخير (الأريحية وسماحة النفس برضو مطلوبة).

قد يعجبك أيضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبولقراءة المزيد