صحيفة كورة سودانية الإلكترونية

قال قطاع خاص قال!

11

حاطب ليل

د. عبد اللطيف البوني

قال قطاع خاص قال!


)1(
الرأسمالية السودانية الحديثة نشأت في كَنف الاستعمار.. فسادتنا المُستعمرون فتحوا البلاد للجاليات الأجنبية فظهرت من بينهم الطبقة الرأسمالية التي ربطت البلاد بالسوق العالمي، ثم ظهرت العناصر الوطنية فتشكّلت طبقة رأسمالية مُنتجة )يُغنِّي عليها سَرُور( تَعمل جنباً إلى جنبٍ مع القطاع العام المُتحكِّم.
فسادتنا الإنجليز الذين كانوا في السُّودان كانت تتحكّم فيهم روح فابيان الاشتراكية فـ )تحت تحت( مكّنوا القطاع العام وهذه قصةٌ أُخرى وكما ذكرنا بالأمس، فإن المسة الشيوعية التي تشيطن الرأسمالية أصابتنا ضمن بقية العالم وقد وصلت مُنتهاها في قرارات نميري الخَاصّة بالتّماميم والمُصادرة في مايو 1970 التي لَحقت الرأسمالية الغَطس ومن بعدها السُّودان.. ولكن الضربة المُوجعة للاقتصاد السُّوداني كانت نشأة الرأسمالية الطفيلية في ذات عهد نميري عندما ابتدع سِياسَة التّموين، ثُمّ تجارة العُملة، ثُمّ الأراضي فكان التّشوُّه الاقتصادي الى يوم الليلة!
)2(
الآن اليوم علينا دا العالم كُلُّه اتّجه الى الرأسمالية طَوعاً أو كَرهاً، فالدول التي بيدها الأمر وبيدها صندوق النقد الدولي والبنك الدولي وكل المُؤسّسات المَالية العَالمية من مانحين لمُقترضين لمُموِّلين، قرّروا ألا يتعاملوا مع الحكومات لفسادها، وأصبح الشعار قطاع خاص وبس.. وها هي جارتنا إثيوبيا تتعرّض لضُغُوطٍ هائلةٍ من جانب أمريكا بالتحديد لتكف يد القطاع العام في نَهضتها الحالية.!
إذاً يا جماعة الخير طَريق التّطوُّر الرأسمالي أصبح مَفروضاً على دُول العالم الثالث هذا بالإضافة للزُّهد في القطاع العام الذي أورد تلك البلدان مورد التهلكة بسبب فَساده و)خَمجه( اللهم إلا بعض دُول أمريكا اللاتينية التي استطاعت وبتدبيرٍ مُتقدِّمٍ أن تنفد من هذه الشبكة وتلك قصةٌ أُخرى.
في السودان ومع مجئ الإنقاذ الذي صَادَفَ المُتغيِّر العَالمي المُشار إليه، تمّ الإعلان صراحةً أنّ البلاد سوف تمضي في طريق التطور الرأسمالي، وأنّ القطاع الخاص هو الذي سَوف يقود قاطرة الاقتصاد في البلاد، ويعجبوك ناس التمكين الذين ظَنُّوا أنّ هذه فُرصَة هَبَطَت عليهم من السّماء، بيد أنّ هناك عوامل كثيرة تَضَافَرَت على رأسها الحِصار جعلت الرياح تَهب بما لا يشتهي القطاع الخاص وهذه قصةٌ ثالثة.
)3(
دعونا نقفز )فوووو( الى يومنا هذا، حيث نجد أنفسنا أمام عدة أنْواعٍ من القِطاع الخَاص في السُّودان، أحدهما عملي ومُنظّم ومُنتج وأصبح له أُفق وخُطة طَريق واضحة، وقد ذكرنا أمثلة له بالأمس، وبالاسم هناك قطاع خاص طفيلي يقوم على المُضاربات أفسد كل شئ ولم يترك تجارة ولا صناعة ولا زراعة خَاصّةً، المُضاربة في العُملة وفي العقار.. ففيما يتعلّق بالمرتبط بالعُملة يبدو أنّ الحكومة بدأت مُصانعته.. أمّا بتاع العقار ففي انتظار ضربة قاضية إذا صَحّ العَزم على مُحاربته وما أسهلها من ضربة )بس يا ريت الحكومة تقول الله أكبر عليه(.!
تبقى القطاع الخاص الأناني الذي أشرنا إليه بالأمس مثل غرفة النقل الخاصّة بالشاحنات وذلك مصدر الماشية الذي يدعو لتثبيت سعر الدولار في العلالي، فمثل هذا النوع هو الذي يكرِّه الناس في القطاع الخاص، وهو الذي يُوقظ فينا أشواق القطاع العام.!
)4(
البلاد تمر الآن بمرحلةٍ اقتصاديةٍ حرجةٍ.. لقد انهار الكَثير وما تَبَقّى قابلٌ للانهيار.. فالشئ الطبيعي أن يَستشعر الجميع هذا الخَطر ويضحوا بذواتهم ومن أجل ذَواتهم، لأنّ المركب إذا غَرقت فلن يَسلم أَحَدٌ، فإذا قلنا إنّ القطاع الخَاص مُناطٌ به إنقاذ البلاد يَجب أن يكون هذا القطاع على قَدر التّحدي.. فإذا كان قَدَرنا أن يكون لدينا نوعان من القطاع الخاص واحد مُنتج، والثاني طفيلي ومُستهبل، يجب بتر هذا الأخير و)فرمه( وبالقانون نعم بالقانون، ففي القوانين المَوجودة الآن مَا يَلوي الأصبع حتى يتفرقع المخ كما قال جعفر بخيت رحمه الله ذات مرة.

قد يعجبك أيضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبولقراءة المزيد