صحيفة كورة سودانية الإلكترونية

قطع الإنترنت.. غباء الفكرة

11

للعطر افتضاح

قطع الإنترنت.. غباء الفكرة

د. مزمل أبو القاسم

*قطع خدمات الإنترنت ليس إجراءً جديداً، فقد لجأت إليه كل الأنظمة التي طالتها ثورات الربيع العربي، فما أجدى عنها شيئاً، ولم يعصمها من السقوط، بقدر ما ضاعف نِقمة شعوبها عليها، وزادها ضعفاً وخَواراً وعجَّل بسقوط معظمها، بدءاً بتونس، مروراً بمصر واليمن والعراق وتونس وليبيا وسوريا، وانتهاءً بالسودان والجزائر.

*تعاملت كل تلك الأنظمة المهترئة مع الإنترنت على أنه يمثل مهدداً لوجودها، وادعت أنه يهدد الأمن القومي، ولا غرو، فالأنظمة الشمولية تختصر أمن الدول في أمن قادتها، ولا تعبأ بالآثار الكارثية، التي يُخلفها ذلك الإجراء على البلاد والاقتصاد.

*الثابت أن حجب الإنترنت هو الذي يهدد الأمن القومي لأي دولة وليس العكس، لأنه يتسبب في خسائر ضخمة، قدرتها بعض الدوائر في السودان بخمسة وأربعين مليون دولار يومياً، والرقم المذكور بالغ الضخامة لدولة تعاني الأمرين من هزال اقتصادها، وتواضع معدلات إنتاجها، وضعف احتياطياتها من العملات الأجنبية.

*الآثار السالبة لا تنحصر في حساب القيمة المباشرة لفواقد غياب الخدمة، بل تتعداها إلى ذيوع الشائعات، وصعوبة دحضها بالحقائق، وتعطيل مصالح الناس، ولا أدلَّ على ذلك من تصاعد شكاوى عملاء البنوك من صعوبة تمرير شيكات المقاصة، وعُسر مراجعة الحسابات هذه الأيام.

*ذلك بخلاف تعثر معظم الأنشطة الاقتصادية التي تتم عبر الشبكة العنكبوتية، ومنها خدمات الترحيل التي تتم عبر تطبيقات الهواتف الجوالة، وأنشطة التسويق الإلكتروني للسلع، والعُزلة التي يدخل فيها كل من يمتلك نشاطاً يرتبط بالإنترنت، ومنها أنظمة الدعم الإلكتروني لصيانة الآليات في العديد من المصانع.

*غياب الإنترنت يؤثر سلباً على عمل الصحافة بكل أشكالها، لأنه يُصعب الحصول على المعلومة، ويحول دون تبادلها، ويُعطِّل طباعة الصحف، التي ترسل صفحاتها إلى المطابع عبر أنظمة إلكترونية مدعومة بالإنترنت.

*أما التأثير الأكبر والخرق الأفدح فيتمثل في انتهاك ذلك الإجراء المتخلف لحرية التعبير، وازدرائه للإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وعهدنا بكل الأنظمة الشمولية التي تلجأ إلى مثل تلك المعالجات أنها لا تعبأ بحقوق مواطنيها، ولا تقيم وزناً للحريات العامة.

*بالنسبة إلى السودان فقد لجأ المجلس العسكري إلى تغييب الإنترنت بعد وقوع مذبحة فض الاعتصام، وفهم كثيرون أنه قصد به التعتيم على ما حدث في ساحة القيادة، فهل تحقق ذلك الهدف؟

*هل حال قطع الإنترنت دون تداول الناس لمقاطع الفيديو المريعة، التي أظهرت دموية الإجراء، وكثافة إطلاق الرصاص الحي على المدنيين العُزَّل، وتنوع الاعتداءات التي وقعت عليهم، والتفنن في تعذيبهم بالضرب المبرح، وملاحقتهم بالعصي والهراوات والبمبان، وإذلال المعتقلين برميهم أرضاً، وتقييد أياديهم، وتوجيه الإهانات لهم، سباً وتحقيراً وشتماً؟

*لم يحدث ذلك، لأن المقاطع انتشرت بسرعة البرق، لتبلغ الناس بحقيقة ما جرى، علماً بأن عدداً مقدراً من الناشطين أفلحوا في بث فصول المجزرة (لايف) في وقتها، ووثقوها لحظة وقوعها، وساهموا في إيصال حقيقتها المروعة لكل أنحاء العالم، كما أن بعض الفضائيات بادرت ببث الكارثة على الهواء، فصار حجب تفاصيلها عن الناس ضرباً من المستحيل.

*أعيدوا الحياة إلى الشبكة العنكبوتية إذا كنتم جادين في حديثكم عن معالجة الأزمة السياسية، وتطبيع الحياة، وتسهيل أعمال الناس، فالإنترنت لم يكن شيئاً هامشياً في حياة البشر، وهو لا يستخدم في الترفيه عن النفس، وتبادل الرسائل عبر مواقع التواصل الاجتماعي فحسب، مثلما يتوهم من اتخذوا ذلك القرار الأرعن!

اليوم التالي

قد يعجبك أيضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبولقراءة المزيد