على الرغم من هزلية المواد التي يتحاكم بها المخلوع حاليا والتي في ظاهرها لا تتعدى تلقي أموال خارج نظام الدولة وهو الذي سفك الدماء وقسَّم البلاد، وحينما خُلع ترك البلاد تواجه مصيرا معقدا.
رغم كل ذلك إلا أن ما نُقِل من المحكمة التي منع من دخولها الصحفيون يستحق أن يحاكم به البشير حتى يسترد السودان كرامته.
ليس غريبًا أن يجعل رئيس فاشل بلاده عرضة للاختراقات عبر مدير مكتبه، وليس غريبا أن يبيع رئيسٌ مُلاحَق دوليا بلاده لضمان سلامته الشخصية، لكن الغريب أن يقبل رئيس بلد بهذه الطريقة في (البيع).
مهما بلغ الهوان برئيس بلاد وارتضى لنفسه أن يتلقى أموالا من رؤساء دول اعتادوا على شراء البضاعة الفاسدة، لا أعتقد أنه يقبل بهذا الشكل الرخيص. الرئيس المخلوع تلقى حفنة ملايين من الدولارات من حلفائه نظير جنود ومواقف لا تغني ولا تسمن. البشير ينبغي أن يحاكم بإهدار كرامة الوطن وإذلال شعبه، قبل الانتقال إلى جرائم نظامه المعروفة.
لا أعتقد أن يختلف اثنان في أن سنوات البشير الأخيرة بلغ هدر كرامة الوطن مبلغا لا يوصف، أحنى البشير رؤوسا كانت مرفوعة على الدوام. منذ أن انخرط البشير في حلف عاصفة الحزم انحرفت علاقات السودان الخارجية انحرافا لم يشهده السودان من قبل.
فكلما زاد معدل سفر البشير إلى حلفائه في الخليج نقصت كرامة الوطن درجات، ففي كل رحلة إهدار كرامة استثنائي. البشير آثر هدر كرامته ممثِّلا رمز سيادة البلاد على حساب سلامته الشخصية وكرسيه وفي نهاية الأمر وقع ذليلا مدحورا.
بعد هذه السنوات من سلب الكرامة، نحتاج أولا استعادة صورتنا أمام أنفسنا أولا قبل صورتنا أمام العالمين، نحتاج بصرامة وضع كرامة الوطن فوق كل شيء، نحن بحاجة على وجه السرعة أن نستعيد كرامة بلادنا التي وطأها المخلوع لسنوات.
نحتاج أن نضع بحسم خارطة طريق لإدارة الدولة بعقول رجال الدولة وليس سماسرة متسوِّلين محمولين جوًّا.
صحيح أن ما رأيناه مهزلة في محاكمة البشير حيث يتحاكم بأهون المواد مقارنة بما ارتكبه، لكن لم تكن هذه المحاكمة مجرد مهزلة واستسهال لجرائمه، جعلتنا نسخر ونضحك مما قاله بقدر ما كان ذلك يستحق منا العويل، إذ كيف كانت كرامتنا تباع في مظاريف لأمراء الخليج.
