صحيفة كورة سودانية الإلكترونية

كورونا وعشرة الراعي

12

—————

بشفافية – حيدر المكاشفي

كورونا وعشرة الراعي

في تراثنا الشعبي السوداني وربما أيضاً في تراث شعوب أخرى، حكاية معبرة جداً عن سوء تقدير الأمور واتخاذ قرارات خاطئة استناداً على هذا التقدير السيئ تكلف صاحبها ثمناً باهظاً، والحكاية تقص عن راعي بهائم كان يملك ثوباً يتدثر به في ليالي الشتاء الباردة، ومن الخبرات الشعبية المتوارثة كذلك ان فصل الشتاء عادة ما تمر عليه عشرة أيام دافئة غالباً ما تكون في أواخره، وعند حلول أول ايام الدفء ظن صاحبنا أن الشتاء قد انقضى ولم تعد له حاجة بالثوب، فعمد الى بيع الثوب للاستفادة من ثمنه فى ابتياع حاجيات أخرى، ولكن لسوء ظنه وخطأ تقديره اذا بالبرد يشتد بعد انقضاء الايام العشرة التي تمتع فيها الراعي بالدفء من غير ثوب، وظل صاحبنا يكابد البرد القارس وهو عارياً من أي ثوب يغطيه، وصار حاله هذا مضرباً للمثل في كل حالة شبيهة به..

وحكايتنا مع جائحة كورونا تشبه تماما حكاية (عشرة الراعي)، فبعد ان انحسر هذا الوباء اللعين اللئيم هونا ما، قررت السلطات فك الحظر الصحي واعتمدت ثقافة التعايش مع الفايروس كواقع محتوم بعدما كان اختيار الاغلاق اضطرارياً وإجبارياً وبعد ان تضررت البلاد والعباد كثيراً من فترة الاغلاق، ولكن للأسف لم نطبق هنا في السودان ثقافة التعايش كما ينبغي بل للأسف طبقنا منهج (عشرة الراعي) وكأن كورونا قد انتهت وانقضت بلا رجعة، فطفقنا نتعامل باعتيادية مفرطة، بل وقذفنا بكل برتوكولات الوقاية الصحية عرض الحائط، فنزعنا الكمامات ولم نعد نرتديها، وتركنا عملية التباعد الاجتماعي والتحمت صفوفنا وتلاقت كتوفنا، وهجرنا عملية التطهير والتعقيم وغسل الايادي، ولكن هاهي كورونا تدهمنا مجدداً واصابت عدداً من كبار المسؤولين من أبرزهم الإمام الصادق المهدي رئيس حزب الأمة وإمام الانصار وعدد من أفراد أسرته وقيادات حزبه، إضافة لكبير مستشاري رئيس الوزراء ومدير مكتب حمدوك ومحافظ بنك السودان نسأل الله لهم ولكل المصابين الشفاء التام، والمشكلة المتوقعة ان الاوضاع مرشحة لمزيد من الاصابات فيما يعرف بالموجة الثانية لكورونا، وبات الناس يخشون من عملية اغلاق وحظر شامل جديدة قد تضطر لها السلطات، وهي الخطوة التي لو تمت ستصيب الناس أيضا في مقتل بحسبان انهم لن يحتملوا عملية اغلاق جديدة خاصة وانهم لم يتعافوا من الاضرار الكبيرة التي عانوها في فترة الاغلاق السابق، ولكن في كل الاحوال تبقى المعركة مع كورونا معركة مصيرية لمحاصرته ومنع تفاقمه، وهذا ما يفرض علينا كمجتمع ان نقف متكاتفين في خط الدفاع الأول جنباً الى جنب جيشنا الابيض، ويستدعينا ذلك ان نحرص على إحداث عملية توازن دقيقة بين التعايش مع الوباء والتمسك بقيم التحضر الاجتماعي، على اعتبار أن السلوك الفردي لديه فائدة جماعية كبيرة، وان نتحلى بأعلى درجات الالتزام بالاحترازات الصحية المعروفة، من أجل الخروج من هذه المحنة التي ضربت كل العالم وأقلقت مضاجعه..

الجريدة

قد يعجبك أيضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبولقراءة المزيد