صحيفة كورة سودانية الإلكترونية

لم يكتشفوه !!

8

إليكم

الطاهر ساتي

لم يكتشفوه !!


:: ومن لطائف الأهل، زارهم الرئيس الراحل نميري قبيل رمضان بأسابيع، وكان هناك استياء من حزمة جبايات ورسوم.. فاستقبلوه ببرود، ثم قدموا طلباً بالإعفاءات الضريبية والغرامات أو الرسوم، ويبدو أن الرئيس نميري كان )مزاجو رايق(، إذ شرع في الاستجابة لمطالبهم، طلباً تلو الآخر: )مش الغرامة دي؟ خلاص لغيناها(، )مش الرسوم دي؟ خلاص لغيناها(، )مش الضريبة دي؟ خلاص لغيناها(، و.. و.. بمنتهى الأريحية والسرعة.. وقبل أن يُكمل قائمة المطالب، صاح أحدهم – من الصفوف – طالبا: )ورمضان كمان يا ريس(!
:: وهكذا لسان حال الحزب الحاكم أمام الشباب منذ بداية الإحتجاجات، بمظان أن المطالب ذاتية.. إذ كان خبر الأمس توجيه اجتماع المكتب القيادى للمؤتمر الوطني – والذي انتهى في الساعات الأولى من الصباح – بعقد مؤتمر قومي لمناقشة قضايا الشباب السوداني، مع وضع المعالجات والحلول وتحليل الواقع الشبابي.. كما وجه المكتب بإجراء مراجعات وتعديلات على بعض مواد قوانين النظام العام والخدمات.. وأقر بأن هناك قضايا أساسية للشباب ولا بد من معالجتها، مع استيعاب طاقاتهم، خاصة على مستوى البطالة والتدريب وبناء القدرات.
:: وعليه، يصبح الحدث، كما يلي: بعد ثلاثة عقود من الحكم، اكتشف الحزب الحاكم – فجأة – بأن في بلادنا )شباب(.. نعم، فوجئ بهم خلال الأسابيع الفائتة، أي بعد الاحتجاجات التي عمت مدن البلاد وأريافها.. وقبلها ربما كان الحزب الحاكم يظن أن شعب البلاد محض أطفال وكبار سن، أي خال من الشباب.. ومع اكتشاف الشباب في مجتمعات التي تُشكل الشعب السوداني، اكتشف الحزب الحاكم أيضاً أن لهؤلاء الشباب )قضايا عالقة(، ويجب إيجاد حلول – عاجلة وجذرية – لهذه القضايا.. يا لهذه العبقرية!!
:: ولكن للأسف، فالحدث ليس – بهذه البساطة – كما يظن الوطني، أي لم يتم اكتشاف قضايا الشباب بعد.. ولتأكيد ذلك، نقرأ ما يلي بالنص: )وأشار الدكتور فيصل حسن إبراهيم إلى أن المكتب القيادي للحزب قد أصدر في اجتماعه العديد من القرارات والتوصيات بشأن تنفيذها على أرض الواقع، وفي مقدمتها عقد مؤتمر قومي يناقش كافة قضايا الشباب بالبلاد، والعمل على خلق فرص عمل بالاستفادة من التمويل الأصغر، وإجراء تعديلات على بعض مواد قوانين النظام العام والخدمات و..(.. فالحزب يظن أن هذه هي القضايا التي تعكر صفو الشباب لحد الاحتجاج في الشوارع!
:: ولكن )لا(.. ومن الخطأ اختزال قضايا الشباب في وظيفة وتمويل أصغر وقانون النظام العام وغيره من الصغائر، وفي هذا الاختزال تحقير للشباب.. فالمياه تكتسب عذوبتها من جريانها – بسلاسة، أي بلا معيقات – في مجاري الأنهار، وإذا توقفت عن الجريان تحولت إلى )برك آسنة(.. وهكذا الشعوب أيضاً، إذ هي تكتسب قوتها وحيويتها بسريان أفكار أجيالها – بسلاسة، أي بلا متاريس- في كل مناحي الحياة العامة.. وكما تعلمون، فإن أفكار الأجيال لا تسري – في مناحي الحياة العامة – إلا بالتجديد والتغيير.. وهذا ما كان يجب أن يكتشفوه، ليس في ليلة الاجتماع، ولكن قبل غضب الشباب!!

قد يعجبك أيضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبولقراءة المزيد