صحيفة كورة سودانية الإلكترونية

ما بين الشركاء الأعداء..

8

جنة الشوك

جمال علي حسن

ما بين الشركاء الأعداء..


لو لم تكن قوى الحرية والتغيير قد وافقت على خيار التفاوض مع المجلس العسكري للتوافق حول ترتيبات الحكومة الانتقالية، واشترطت تسليم المجلس للسلطة فوراً لحكومة مدنية بلا تفاوض والحوار ولا هم يحزنون، لكانت الأمور واضحة ومفهومة للجميع منذ البداية، ولاقتصدنا كثيراً في بذل الابتهاج والفرح بنجاح الثورة والانتقال الحقيقي لمرحلة جديدة منذ تلك الفترة.
ولكن في الواقع بدأت الأمور جيدة وكانت أول الخلافات المعلنة في الاجتماع الثالث تقريباً بينهما يوم 21 أبريل بعدما عرض المجلس الانتقالي على قوى التغيير ضرورة أن تضم الحكومة الجديدة، القوى الأخرى التي كانت شريكة للنظام السابق، ورفضت قوى التغيير ذلك ووصفت المجلس بالتعنت في موقفه.
ثم عاود الطرفان اجتماعاتهما بعد ضغوط في الشارع من قوى التغيير، قدم بعدها المجلس قدراً من المرونة وخصوصاً حول تحفظات قوى التغيير على بعض عضوية المجلس في اللجنة السياسية، ثم توافق الطرفان على نسبة كبيرة جداً من بنود التفاوض كانت جميعها لمصلحة الثوار ولمصلحة الانتقال لحكم مدني انتقالي على مستوى الأجهزة والهياكل، وأهم هذه البنود تشكيل مجلس وزراء بواسطة قوى التغيير مع منحهم 68 بالمائة من عضوية المجلس التشريعي، واتفاق حول صلاحيات المجلس السيادي ولم يتبق من التوقيع النهائي إلا نقطة أخيرة، هي رئاسة مجلس السيادة ونسب التمثيل العسكري والمدني في عضويته.
وحتى هذه المرحلة كان الطرفان يتحدثان بلغة تبدو فيها قضية الإقرار بالشراكة بين العسكريين والمدنيين في المجلس وكأنها من المسلمات المتفق عليها، وكان الشيء الظاهر للناس أن المجلس حقق مطالب قوى التغيير في ما يخص الجهاز التنفيذي والتشريعي كاملة وأجل مطلبه هو بأن يحتفظ لنفسه بالتمثيل في المجلس السيادي ولم تكن ساحة الاعتصام ستتفاجأ لو صعد حينها أي ممثل لقوى التغيير وتحدث عن تنازلهم عن موقع رئيس المجلس السيادي للعسكريين، بل كان الجميع يتوقعون ذلك حتى إن متحدثاً من قوى التغيير صعد إلى المنصة ليلة الاتفاق مبشراً المعتصمين بتحقيق الانتصار الكامل للثورة، ومقللاً من أهمية مجلس السيادة الذي لم يتم الاتفاق حوله في ذلك الاجتماع، وقال للناس إن المجلس السيادي هذا ليس لديه أية صلاحيات أكثر من الأمور الرمزية والتشريفية والشكلية كاستقبال سفراء وتوديع وفود..
فما الذي حدث ولماذا تدهورت الأمور بين الطرفين إلى هذا الحد، ولماذا اكتسب مجلس السيادة هذا واكتسبت رئاسته كل هذه الأهمية بالنسبة لقوى التغيير لدرجة أن ينسف قيمة كل ما تحقق من توافقات أخرى..!!
هذه أسئلة مهمة فالشيء المعروف والمفهوم للجميع في قضية التفاوض أن البند المهم جداً يكون عادة هو البند الأول والمتقدم وليس البند الأخير.
قناعتي أن الحكومة المدنية أو السلطة المدنية التي لا تتحقق بالتوافق بعد كل هذه المراحل من المفاوضات، فإن تحقيقها تحت الضغط والعصيان يعني دخول بلادنا في مرحلة انتقالية غير مستقرة ستتسم فيها العلاقة بين المدنيين والعسكريين بالتشاكس المستمر و)الحفر( ونصب الشراك بين الشركاء الأعداء.
كنا نريد مرحلة انتقالية توافقية بين شركاء متضامنين، تبتسم فيها بلادنا بعد كل هذا العبوس.
شوكة كرامة
لا تنازل عن حلايب وشلاتين.

قد يعجبك أيضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبولقراءة المزيد