صحيفة كورة سودانية الإلكترونية

من سليمان !!.

9

بالمنطق

صلاح الدين عووضة

من سليمان !!.

*ثمة وجوه تسقط من الذاكرة..
*وذلك خلال رحلة الحياة الطويلة..أو القصيرة..
*فهي لا تحفر فيها أثراً..ولا تترك عندها انطباعاً..ولا تدمغ عليها ذكرى..
*مجرد وجوه..مثل أشجار تشاهدها عبر نافذة قطار..
*حتى وإن كان من بين هذه الوجوه ما لازمك حقبةً من حياتك..
*ووجوهٌ أخرى عكس ذلك..تبقى بالذاكرة ما بقي الإنسان سائراً في رحلته الدنيوية..
*ومن الوجوه التي علقت بذاكرتي، وجه سليمان الصول..
*كان صول مدرستنا الثانوية العليا..وأحد ركائزها المهمة..في نظري..
*لم أره غاضباً..أو عابساً..أو مكشراً؛ طوال فترة دراستي..
*وكان أول ما وُوجهنا به- لحظة ولوجنا المدرسة- (الكديت)..وعم سليمان..
*فهُرع الكثيرون منا لتسجيل أسمائهم..وهم فرحون..
*وعجبت أنا لفرحهم..ربما لحساسية من تلقائي سببها الانقلابات العسكرية..
*وتحديداً انقلاب (مايو) الذي تفتح وعيي عليه..
*فمنذ ذياك الزمان المبكر، وبيني وبين النُظم العسكرية كافة ما صنع الحداد..
*لا لشيء، إلا لأنها في حالة عداء دائم مع الحرية..أصل الدين..
*ولم يشذ عن هذه القاعدة نظام عسكري أبداً..في طول بلاد العالم الثالث وعرضها..
*ولكن سليمان (العسكري)¡ كان ديمقراطياً معنا..لأبعد الحدود..
*ومن دلائل ليبراليته إنه كان يمقت الجلد ظلماً..إذا ما كُلف به حيال طالب..
*فقد كان يتحرى أسباب تحويل (المذنب) إليه..
*فإن وجد عذراً لم يأخذ به الأستاذ – تعجلاً – لا ينفذ (أوامر) الجلد..
*وهو – للحقيقة – ما كان ينفذها مطلقاً..في كل الأحوال..
*فإن وجد الطالب مخطئاً أخذه إلى غرفة التنفيذ..ونصحه بعدم تكرار جرمه..
*ثم جلد حذاءه العسكري المسكين بالسوط..جلداً له فرقعة..
*ويطلب من الطالب – أثناء ذلك – أن يقول (آه) بصوت عالٍ..ويضحكان معاً..
*وقد كان أصلاً يضحك على الدوام..فيشيع البهجة بيننا..
*ولكنه في يوم ضحك كما لم نره يضحك من قبل..حتى دمعت عيناه الصغيرتان..
*وذلك حين ضحكت المدرسة كلها من عم (حشاش)..وعليه..
*فقد كانت الحصة لغة فرنسية..وطرق عمنا هذا باب الفصل ليُعلمنا أمراً ما..
*فما أن رآه الأستاذ حتى سألنا بالفرنسي (من هذا ؟!)..
*ونسي أن عمنا هذا أخلاقه (جزمة قديمة)..ولا يضحك أبداً..عكس عمنا الآخر..
*فأسمع الأستاذ – وإيانا – ما يُضحِك..ولا يُقال..
*وبلغ الكلام – ذو اللكنة النوبية هذا – مسامع سليمان؛ فكاد يموت ضحكاً..
*وبعد نحو عام من تركنا المدرسة أتاني صديق دراسة بجواب..
*وهو كان صديقاً لسلمان هذا بقدر صداقته لي..
*وقال (إنه من سليمان)..ويحثنا فيه – من بعد السلام – على ألا (ننسى أياماً مضت)..
*ثم أشار إلى أول فقرة أعلاه متبسَّماً..وغمغم :
*وإنه بسم الـله الرحمن الرحيم!!.

قد يعجبك أيضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبولقراءة المزيد