صحيفة كورة سودانية الإلكترونية

نكون أو لا نكون

11

بلا حدود

هنادي الصديق
نكون أو لا نكون


لم تكن النهايات في جميع الأنظمة الشمولية والديكتاتورية تأتي على هوى قادتها، وعادة ما يستميت هؤلاء القادة في الدفاع عن مواقعهم السيادية والعمل بقوة على عدم مغادرتها مهما كلف الأمر وتعاظم ثمن البقاء.
بالسودان وصلت الأزمات إلى أبشع صورها، وهو الوضع الذي أوصلتها إليه سفينة الإنقاذ منذ ثلاثين عاماً، وهي السفينة التي تشابه إلى حد كبير )سفينة نوح( والتي بدأ أصحابها مؤخراً في القفز منها بعد أن تأكدوا تماماً من غرقها بمن فيها، والكل اليوم يبحث عن مخارجة، لإيجاد مساحة له مع عامة الناس بعد الغرق الوشيك، وظهر ذلك في تصريحات لبعض المسؤولين عن كبح جماح الفساد، واعتقال رؤوس فساد، وإغلاق منافذ الفساد، وغيرها من عبارات مملة وممجوجة حفظها المواطن عن ظهر قلب. الشعب )قال الروب(، والإنقاذ ما زالت مصرة على زيادة جرعات الضغط النفسي والمعنوي والمادي عليه.
بالأمس وقبله واليوم وغداً ظل سعر الدولار يتلاعب بالجنيه السوداني والاقتصاد والبطون والعقول ولا مؤشر واحد لإيقاف زحفه نحو مستوى )المائة(بعد أن تجاوز جميع التوقعات وتخطى التكهنات.
حدث ويحدث بالسودان لأول مرة في تاريخه، ورغم ذلك أوفت الحكومة بعهدها ووعدها )الشرير( ونيتها المبيتة ورفعت الدعم عن الكثير من السلع تدريجياً ودون إعلان وضجيج، ولكن هذه المرة )الأمور فلتت من يدها( ولم يعد أمامها سوى المزيد من الضغط )غير المقصود( والذي لن يتوقف عند هذا الحد، بل سيستمر ويصل ويوصل معه الشعب إلى النهاية المؤلمة.
رفعت الدعم عن الأدوية المنقذة للحياة، وتزايدت أعداد المواطنين أمام الصيدليات الحكومية بحثاً عن )الإنسولين( الذي بات عصيَ المنال على أصحاب الدخل)المهدود(،ومعروف غياب جرعات بعدد محدد من الإنسولين عن المريض سيكون تأثيرها سلبياً جداً وربما أفقد البصر أو أحد الأطراف على المدى القريب وليس البعيد، وحتى المتوفر من الأدوية، بات شراؤه بعشر أضعاف سعره الحقيقي، وسط غياب تام للرقابة الحكومية وانتشار الفوضى التي أثرت على السلع بشكل عام والأدوية بشكل خاص.
انعدام الأدوية )المعينة( ورفع أسعارها، وارتفاع سعر الدولار بالسودان، مؤكد سيؤدي إلى )عصيان مدني غير مباشر( مع اقتراب سنوية العصيان المدني الشهير، إذ أصبحت الأوضاع فوق احتمال وطاقة المواطن، ورغم ذلك تتفاقم بشكل يومي إلى الأسوأ دون أن تجد مسؤولاً واحداً يفكر في خطورة ما يحدث وأثر ذلك على بقائهم في السلطة، بعد أن يخرج المواطن بحثاً عن الحرية ولقمة العيش الكريمة والأهم من ذلك البحث عن الهوية التي تم طمسها )مع سبق الإصرار والترصد(.
زيادات في كل شيء، وبشكل سافر، غياب رقابة عن كل شيء، انعدام ثقة في كل شيء، عدم رغبة في كل شيء، شعب أصبح يمسي ويصبح على لعن الوضع الحالي، والمسؤولين دون استثناء، لم يعد في مقدوره العيش حتى على الكفاف، مجاعة متوقعة، والكل ينتظر من يقود الحملة لإيقاف نزيف الوطن، وهذا دور المواطن أولاً وأخيراً بمعاونة الأحزاب المعارضة التي ننتظر منها تنظيم صفوفها بحثاً عن التغيير المرتقب. التحام المعارضة مع المعارضة هو الأساس، وأعني الأحزاب المعارضة التي بدأ واضحاً تعنت بعضها وإلتفافها على معارضة المعارضة بدلا ًعن الوطني، ففي اتحادها خلاص وفي شتاتها المزيد من الدمار.
المبادرات الشبابية بالأحياء والجامعات وغيرها أمام تحدٍ واحد لا ثاني له، )نكون أو لا نكون(.

قد يعجبك أيضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبولقراءة المزيد