صحيفة كورة سودانية الإلكترونية

والله زمان يا لاهاي

9

بشفافية – حيدر المكاشفي
والله زمان يا لاهاي

الزمان ليس هو الزمان، فالزمان هو زمان الثورة، والناس ليسوا هم الناس، فالناس هم جحافل الثوار مسقطو النظام البائد الظالم القاتل الفاسد، والحال ليس هو الحال، فالحال هو التغيير الذي بدل البلد من حال الى حال، فسبحان الله مقلب الأحوال من حال الى حال، أليست محكمة الجنايات الدولية الكائنة بمدينة لاهاي، هي ذات المحكمة التي طالما هتف ضدها منتسبو النظام المخلوع وتوابعهم من الارزقية والمصلحجية، وظلوا على مدى سنوات يرددون العبارات التي تشتمها باقذع ما في قاموس الشتائم، وجعلوا من مدعيها العام السابق لويس مورينو أوكامبو رمزا للشر والبغي والعدوان، ومن منهم من لم يجوس خلال ميادين وشوارع العاصمة ويغبر أقدامه في سبيل الزراية بالمحكمة الجنائية الدولية ومدعيها العام السابق أوكامبو، ومن منهم من لم يردد خلف رئيسهم المخلوع هتافاته الموتورة ضد المحكمة وأوكامبو، ومن منهم من كان لا ينتشي لمقولات المخلوع الشوارعية من شاكلة (أوكامبو تحت جزمتي ولن نسلم كديسة) وغيرها من كلمات يستلفها من لغة قاع المدينة، فكالوا له الاتهامات بالعمالة والجبن كما أحرقت صوره مرات عدة، حتى ان مدعي المحكمة الأرجنتيني الأصل كان يندهش لذلك ولم يكن يخطر بباله أبداً أن يحظى بهذه الشهرة الكبيرة وان يتردد اسمه بتلك الكثافة.. مجالس الأنس العديدة في السودان كانت تلتئم وتنفض على سيرته، وباتت محكمته واحدة من مواضيع الونسة الثابتة لتنضم إلى مواضيع السياسة وكرة القدم، كما قيل انه بات لا يلتقي سودانيان إلا ويتحول الكلام عن أوكامبو بعد الاطمئنان على خلو الاجواء من عين الرقيب، وعلى ايام تلك الهوجة واللهوجة أذكر تلك الثلة من أنصار ومناصري الحكومة المخلوعة وحزبها المحلول الذين ظهرت صورهم على شاشات التلفزة وهم يرتدون الأكفان في مناسبة تناصرية أقاموها للرئيس المخلوع بنواحي شندي، وكان اتخاذهم لرمزية الكفن كما قالوا يجيء كرسالة شديدة اللهجة موجهة ضد أوكامبو وتعبيرا عن استعدادهم للموت فداء للرئيس المعزول ضد مدعي المحكمة الجنائية الدولية لويس مورينو اوكامبو، كما اذكر تلك المهرجانات الخطابية المصنوعة بواسطة مقاولي الانفار وسماسرة التحشيد التي كان يخطب فيها المخلوع (المخلوع حقيقة ومجازا) ويختتمها بفاصل من الرقص اشتهر به، ومن تلك الخطب الحماسية الهاشمية الجوفاء التي يلقيها على طريقة (انفخ ولو حملك ريش)، اذكر انه قال مرة وسط تهليلات وتكبيرات المحشودين (شكراً يا شعبي .. شكراً اوكامبو لأنك اظهرت لي ان الشعب السوداني يحبني الى هذا القدر)..
لقد مر بذهني هذا الشريط التراجيكوميدي وما حواه من عنتريات وتنبرات ضاعت كلها هباء وبقيت الحقيقة، فالحق قديم لا يزول ولا يسقط بتقادم السنين، فهاهي مدعي المحكمة الجنائية الدولية الحالية فاتو بنسودة تصل بلحمها وشحمها الخرطوم، وتنخرط في لقاءات متعددة مع قيادات الفترة الانتقالية لاجراء تفاهمات حول محاكمة المطلوبين لديها، وأيا تكن صيغة المحاكمة التي يتفق عليها، يبقى الأهم كما يقول المثل الشعبي (يا كاتل الروح وين بتروح) بأن يلقى من ارتكبوا تلك الفظائع بدارفور جزاءهم في الدنيا قبل الآخرة.
الجريدة

قد يعجبك أيضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبولقراءة المزيد