صحيفة كورة سودانية الإلكترونية

يربحون 400%!

8

العين الثالثة

ضياء الدين بلال

يربحون 400%!


-1-
لمرَّتين وأكثر خلال الأسبوع الماضي، كان عليَّ البحث عن أدوية تُعالج الالتهاب، لصغيرتي التي لم تتجاوز الستة أشهر.
للحصول على دواءين فقط، زُرْتُ أكثر من 15 صيدلية من وسط الخرطوم إلى أقصى جنوبها!
لاحظت أن أغلب الروشتات المُقدَّمة في تلك الصيدليات، تُرَدُّ إلى أصحابها بصورة آلية حتى دون اعتذار!
كثيرٌ من الأدوية الضرورية والمُلحَّة، لا تتوفر لطالبيها من المرضى والمرافقين ولو بأغلى الأثمان، ندرة غير مسبوقة، ومعاناة نفسية ومعنوية لا تنتهي.
الكثيرون يضطرُّون لطلب الدواء من خارج السودان عبر أقاربهم!
-2-
قبل عامين، حينما كانت الأدوية متوفرة بالصيدليات وباهظة الثمن، قلنا:
بإمكان الشخص أن يُكيِّف وضعَه في المأكل والمشرب والتنقُّل، حسب ظرفه المالي، بأن يُقلِّل أو يترك أو يتناسى، لكنَّ ذلك غيرُ متاحٍ في التعامل مع العلاج.
هل بإمكان مريض أن يُخفِّض جرعة الدواء، أو يترك علاجاً محدداً بالاسم والكمية، نسبةً لارتفاع الثمن؟!
-3-
الآن، كثيرٌ من الأدوية الضرورية جداً، غير موجود في الصيدليات، بل المعلومات المؤكدة، أن أغلب الشركات مُضربة عن استيراد الأدوية للضغط على الحكومة، حتى يتم رفع السعر ليوافق دولار السوق.
كانت مطالبهم ستكون منطقية وينطبق عليها ما يحدث مع كُلِّ السلع التي تأتي من الخارج، لو كانت أرباحُهم في الأساس موضوعية ومعقولة.
الفرق هنا يا سادتي، أن الشركات ظلَّت تجني وتُراكم أرباحاً طائلةً وفاحشة -تحت نظر الحكومة وسمعها- ولا تُريد أن تتنازل عن بعض تلك الأرباح.
-4-
من يُصدِّق أن أرباح الدواء في السودان، وهو سلعة ضرورية وحياتية، تتجاوز أسعار تجارة المُخدِّرات!
كثيرٌ من الشركات تربح أكثر من 400% من تجارة الدواء! مُنظَّمة الصِّحة العالمية، ذكرت في تقرير لها، أن الدواء في السودان يُعتبر الأعلى سعراً، في دول الإقليم.
دعك من منظمة الصحة العالمية. دراسة علمية أعدَّها الدكتور جمال خلف الله مدير الإمدادات الطبية – قبل تقلُّده المنصب – أثبتت أن أسعار بعض أصناف الدواء التي تُباع في السودان أعلى من أسعاره في دول الإنتاج بـ)18( مرة.
والأنكى من ذلك، أن أسعار تسجيل الدواء تتجاوز أسعار الإنتاج بأربع مرات!
-5-
أصحاب الشركات المعروفون بالاسم والعنوان والمُحتكِرون لأصناف عدَّة من الأدوية، لا يُريدون تخفيض أرباحهم عن الـ400% إلى 300%!
إنه الطمع والجشع واستباحة صحة المواطنين، الذين لا يجدون في الدولة نصيراً ولا مُغيثاً من اللوبي المتوحش.
من المُؤسف والمُحزن إلى حدود المأساة، أن )لوبي( الدواء هو المُتحكِّم الأكبر – بأيديه الطويلة وأظافره غير النظيفة – في أسعار هذه السلعة الاستراتيجية والإنسانية، وكذلك يتحكَّم في عدد الأصناف الدوائية.
الشبهات لا تزال تحيط بمحدودية تصاديق تسجيل الأدوية في السودان، والتي ترتَّب عليها احتكار بعض الشركات أنواعاً مهمةً وضرورية، مُغلقةً بذلك سوق التنافس في وجه آخرين.
-6-
على الحكومة أن تُسارع بقلب الطاولة على هذا اللوبي، بفكِّ الاحتكار وتقليم أظافر أثرياء المرض والفجيعة، عبر سوق التَّنافس الحر، ومُحاصرتهم عبر دخول الإمدادات الطبية بشراء جميع أدوية الأمراض المزمنة.
ظلَّت هذه المافيا منذ سنوات تقف ضدَّ دخول الإمدادات سوق الدواء حتى تفرض التوازن على الأسعار، والمؤسف أن إرادتهم كانت الغالبة دوماً، فهم أصحاب نفوذ مديد!
-أخيراً-
إذا كان تقدير الحكومة أن الأمن خطٌّ أحمر، ومن الثوابت التي تحرصُ على حمايتها، لذا تُخصِّصُ له الجزء الأكبر من ميزانيتها، فمن الأوْلى أن يكون العلاجُ ضمنَ هذه الثوابت والخطوط الحمراء، التي تستحقُّ الحمايةَ والصون بحدِّ السيف وإلى آخر جنيه في خزانة الدولة!

قد يعجبك أيضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبولقراءة المزيد